الثلاثاء، 22 يونيو 2010

قصة الوحى (2)

سنوات سبقت الوحى:

ولِما عرفناه عن محمد من نضاجة العقل وحسن التفكير، ما كان ليفوته ما عليه قومه من عبادة أحجار صنعوها بأيديهم، يقدمون لها القرابين، ويذبحون لها ويصلون لها فى الأزمات، راجين منها جلب النفع ودفع الضر، وما هى التى تنفع أوتضر، وقد كثرت الآلهة، فأصبح لكل قبيلة إله يقف مع الآلهة الاخرى فى بيت الله، هذا بجانب الإله هُبَل -والذى كان له تمثال كبير داخل الكعبة- وثلاثة آلهة آخرى كانت تسمى ببنات الله وهى: اللات، والعزى، ومناة، فكانوا ينشدون أثناء طوافهم بالكعبة: "واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، فإنهن الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى"، غير أنهم يرون أن الله وهو إله الكعبة يَسموا على كل هذه الآلهة، وما تلك الآلهة كلها إلا واسطة بينهم وبينه، ويُعبر القرآن عن مفهومهم هذا بقول الله تعالى مخبراً عنهم:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}. [الزمر: 3]، ولكن كانوا ينظرون إلى الله على أنه بعيد عن العالم وقليل التأثير على الناس فى حياتهم اليومية، فلم يصنعوا له تماثيل، فمثله عندهم كمثل بقية الآلهة العليا، أو آلهة السماء المعروفة فى الأديان القديمة، وقد جاء فى التوراة ما يؤكد هذا المعنى، حين قال داوود: {لأنى أنا قد عرفت أن الرب عظيم، وربنا فوق جميع الآلهة}. [سفر المزامير 5:135 ] ، ومع أن آلهة العرب لم تعط لهم هداية أخلاقية، فقد وجد كثير من العرب فى طقوس العبادة ما يكفيه، ولكن بعض القرشيين وجد أن تلك الأوثان الحجرية رموز غير كافية للمقدس.(1)

ويُثبت ذلك ما قاله (بروكلمان) (2) أنه: "ليس من شك فى أن العرب كانوا فى أول الأمر يؤدون الشعائر الدينية إلى تلك الآلهة التى كانت أقرب إليهم من الله... حتى إذا أوشك فجر الإسلام أن يبزغ لم تبق هذه العبادة قادرة على أن تملأ وجدان العرب الدينى بكامله، وهكذا انحط شأن هذه العبادة وانحطت دلالتها انحطاطاً متواصلاً كان يرافقه –دائماً– تعاظم أهمية الشعور الدينى العام القائم على أساس الإيمان بالله، وفى مكة أخذ الله يحتل شيئاً فشيئاً محل هُبَل، الإله العربى القديم، كرب للكعبة".(3)

وكان العرب قد عرفوا الديانتين التوحيديتين: اليهودية والمسيحية، وذلك من خلال رحلاتهم التجارية إلى الشام واليمن، ومخالطتهم ببعض أهل هاتين الديانتين، عند مقابلة بعض الرهبان والنساك المسيحيين، وبعض أحبار اليهود، حيث كان لليهود قبائل فى شبه الجزيرة، منها ما يطلق عليها يهود بنى النضير، ويهود بنى قريظة، ويهود بنى قينقاع، كذلك عرفت العرب الوثنيون أن الكتاب المقدس يقول عنهم أنهم أبناء إسماعيل، الابن الأكبر لإبراهيم، أى أنهم واليهود والنصارى أبناء عمومة واحدة، ولما كان العرب يرون أنهم يعبدون إلهاً واحداً هو الذى يدعونه فى الأزمات، وما كثرة الآلهة لديهم إلى لتشفع لهم عند الله، وأن اليهودية والنصرانية لا تخرج من منظورهم عن توحيد الإله، فلم يشعر العرب بضرورة التحول إلى اليهودية أو النصرانية، لأنهم اعتقدوا أنهم كلهم أعضاء فى الديانة الإبراهيمية، وفى الواقع كانت فكرة التحول من إيمان إلى آخر غريبة على قريش، بجانب أنه لم يكن العرب يرون اليهودية أو النصرانية كديانة حصرية مختلفة بشكل كبير عن دينهم، فكلمة "يهودى" أو "مسيحى" تشير لديهم إلى انتماء قَبلى أكثر مما تشير إليه من اتجاه دينى... ولكن مع تمسك العرب بما هم عليه من عبادة الأوثان، إلا أن بعض عرب الحضر صاروا غير راضين بالتعددية الوثنية، حتى قال بعضهم لبعض: "تعلمون والله ما قومكم على شىء، لقد أخطأوا دين أبيهم إبراهيم، ما حجر -صنم- نطوف به، لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع! يا قوم التمسوا لأنفسكم "ديناً" فإنكم والله ما أنتم على شىء".، فتفرقوا فى البلدان يلتمسون الحنيفية، فذكرت الوثائق أن هناك من تحول إلى النصرانية، ومنهم من ترك عبادة الأوثان وتلمس دين إبراهيم ليتبعه، كزيد بن عمرو بن نفيل الذى كان يقول: "يا معشر قريش، والذى نفس زيد بيده، ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيرى". ثم يقول: "اللهم لو أنى أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به، ولكنى لا أعلمه".(4)

فما كان لمحمد أن يفوته ما عليه قومه من هذا الحال المتردى ومن عادات وتقاليد لا تسمو إلى طبيعة البشر التى أوجدها خالقها، فبعد أن أدرك الخلل الذى أصاب مكة، خاصة فى أجيالها الجديدة، حيث أصبحت التفرقة واضحة بين الأغنياء والفقراء، وقد عاش الأوائل حول الكعبة، وعاش الباقون فى أطراف مكة البعيدة، وتخلى أهل مكة عن المروءة والكرم، وانقلبوا بخلاء تحت زعم مهارة التجارة والاقتصاد، وأصبح بعضهم لا يؤمن بالقدر، بل وصل ببعضهم التفكير فى أن الثراء سيجلب لهم نوعاً من الخلود.

وبعد تزايد إدراك محمد، بأن قريشاً تخلت عن أفضل ما فى المروءة واستبقت أسوأ صورها، من طيش وتكبر، إلى إحساس متضخم بالذات، مما يدمر أخلاقيات المجتمع ويؤدى به إلى الهلاك.

فكان فيما سبق ذكره الكفاية لدفع محمد إلى أن يترك نفسه لسجيَّتها، سجية التفكير والتأمل، وقد كان من عادة العرب إذ ذاك أن ينقطع مفكروهم للعبادة زمناً فى كل عام يقضونه بعيداً عن الناس فى خلوة، يتقربون إلى آلهتهم بالزهد والدعاء، ويتوجهون إليها بقلوبهم يلتمسون عندها الخير والحكمة وكانوا يطلقون على هذا الانقطاع للعبادة: التحنف والتحنث، فوجد محمد فى ذلك التحنث خير ما يُمَكِّنه من الإمعان فيما شُغلت به نفسه من تفكير وتأمل، كما وجد فيه طمأنينة نفسه وشفاء شغفه بالوحدة يتلمس أثناءها الوسيلة إلى ما لم يبرح شوقه يشتد إليه من نشدان المعرفة واستلهام ما فى الكون من أسباب.(5)


شبهة: تمرد محمد

ولم يكن الظلم الاقتصادى فى البيئة المكية سبباً لتفكير محمد فى حال قومه كما قال (جولدزيهر): "المادية وكبرياء الجاهلية وتحكم الأغنياء فى الفقراء هى الميزات السائدة عند أشراف تلك المدينة... ورأى محمد هذا فأخذ يشكو من اضطهاد الفقراء، وطمع الأغنياء، وسوء المعاملة, وعدم المبالاة بالصالح العام".(6) حيث لم يكن ثمة ارتباط بشكل مباشر بين الوحى وبين العوامل السياسية والاقتصادية السائدة فى مكة أو فى غيرها من بلاد العرب، بل كان الوحى نفسه هو العامل الذى جاء ليقلب ملامح الحياة العربية، لا العكس، أما عن تأثر محمد بتلك الأحوال الاقتصادية وعلاجه لها فهو تأثر وعلاج الرجل الفاضل بدون زيادة أو نقصان، ويتضح هذا من شهادة خديجة وتخفيفها من روعه عندما التقى بالوحى الإلهى لأول مرة فتقول له: "لايخزيك الله أبداً. إنك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر.(7)

إضافة إلى هذا فإن الوثائق لا تخبرنا مطلقاً عن شكوى محمد من الظلم السائد فى مكة كما يزعم (جولدزيهر) ، ولا عن منع كبار التجار له من أن يصبح واحداً منهم كما زعم (مونتغمري وات) (8) حين ربط بين الظلم السائد فى مكة وبين محمد، حيث جعله يتضرر شخصياً، وبشكل مباشر من هذا الظلم، فقرر مثلاً أنه كان يمتلك موهبة الإدارة، فقال: "التى كان من الممكن له تسيير أعظم العمليات فى مكة، ولكن كبار التجار أبعدوه عن محيطهم".(9)

وواقع الحال أن لا أحد من هؤلاء التجار كان يستطيع أن يمنع محمد أو أى رجل فى مثل نسبه وفى مثل صهره، ومكانته وأخلاقه بأن يصبح أى شيء أراد.


وسنجد التأكيد على ما سبق فيما هو أعظم من ذلك؛ فحين أفسد محمد عليهم نسائهم وأبناءهم وحقر من آلهتهم على -حد زعمهم- بدعوته هذه، ما استطاعوا أن يمنعوه عما أراد، رغم إيذائهم لمتبعيه أشد الإيذاء، وبالرغم أنه ظل فى مكة بدعوته هذه ما يقرب من ثلاثة عشر سنة، بين إسراره بدعوته وجهره بها، ومع ازدياد تضرر قومه مما هو عليه، فما استطاع أحدهم أن ينال منه، حتى أنهم فى ذات مرة أجمعوا على أن يأتوا من كل قبيلة برجل حازم بيده سيف صارم، فيجتمعوا عليه فيقتلوه، فيتفرق دمه بين القبائل، وحينها لا يستطيع أهله حرب القبائل كلها، فيكتفون بقبول الدية. ولعلنا نجد فى هذا أصدق دليل للرد على ما زعمه (وات).

ولعل ما فعله محمد من ميله للخلوة والتفكر، ما كان ببدعة ابتدعها ولكنها من سمات أهل الصلاح فى كل زمان، ففى التوراة. جاء ما نصه: {فقال موسى أميل الأن لأنظر هذا المنظر العظيم لماذا لا تحترق العليقة}. وعلى هذه الآية جاء تفسير الآب (أنطونيوس فكرى) (10) بقوله: "أميل الآن لأنظر= إعلانات الله كثيرة لكن على كل واحد أن يميل وينظر فى جلسة هادئة أو صلاة أو خلوة مع الله.. هنا دخل موسى إلى مرحلة جديدة هى مرحلة اللقاء مع الله".(11)

فلقد رغب محمد فى أن يجد الحق الذى ينشد من خلال خلوته فى غار بأعلى جبل حراء -شمال مكة- يدعى غار حراء، بعيداً عن ضجة الناس وضوضاء الحياة، فهو خير ما يصلح للانقطاع والتحنث، فكان يذهب إليه طوال شهر رمضان من كل سنة يقيم به مكتفياً بالقليل من الزاد يُحمل إليه، يطعم من مر عليه من الفقراء والمحتاجين، وممعناً فى التأمل والتفكر، ملتمساً الحق، والحق وحده، متمعناً فى هذا الكون المحيط به: فى السماء ونجومها وقمرها وشمسها، وفى الصحراء ساعات لهيبها المحرق تحت ضوء الشمس الباهرة اللَّآلئ، وساعات صفوها البديع إذ تكسوها أشعَّة القمر أو أضواء النجوم بلباسها الرطب الندى، وفى كل ما وراء ذلك مما يتصل بالوجود وتشمله وحدة الوجود، فى هذا الكون كان يلتمس الحقيقة العليا، ولكن أين الحق إذاً؟ أين الحق فى هذا الكون الفسيح بأرضه وسماواته ونجومه؟ أهو فى هذه الكواكب المضيئة التى تبعث إلى الناس النور والدفء، ومن عندها ينحدر ماء المطر؛ فتكون للناس ولأهل الأرض كافةً من خلائق، حياة بالماء والنور والدفء؟ كلا! فما هذه الكواكب إلا أفلاك كالأرض سواء.. أم هو فيما وراء هذه الأفلاك من أثير لاحد له ولا نهاية له؟ ولكن ما الأثير؟ وهذه الحياة التى نحيا اليوم فتنقضى غداً، وما أصلها. ما مصدرها؟! أمصادفة تلك التى أوجدت الأرض وأوجدتنا عليها؟ لكن للأرض وللحياة سنناً ثابتة لا تبديل لها ولا يمكن أن تكون المصادفة أساسها.. وما يأتى الناس من خير أو شر، أفيأتون طواعية واختياراً، أم هو بعض سليقتهم فلا سلطان لاختيارهم عليه؟ فى هذه الأمور النفسية والروحية كان محمد يفكر أثناء انقطاعه وتحنثه بغار حراء، وكان تفكيره يملأ نفسه وفؤاده وضميره وكل ما فى وجوده، حتى إذا انقضى شهر رمضان عاد إلى خديجة، فإذا استدار العام وجاء شهر رمضان ذهب إلى حراء وعاد إلى تفكيره ينضجه شيئاً فشيئاً، فتزداد نفسه به امتلاء.(12)

شبهة: اطلاع محمد -صلى الله عليه وسلم- على الكتاب المقدس

لم يكن محمد لِيطمع فى أن يجد ما ينشد فى قصص الأحبار ولا فى كتب الر هبان، وبرهان ذلك يأتى فى قول (وات): "وفى البدء، نستطيع إبعاد فكرة قراءته من الكتاب المقدس، أو من أى كتاب يهودى أو مسيحى".(13)، وفى قوله أيضاً نافياً تعلم محمد المباشر من أى شخص: "ولكن يستحيل أن يكون قد أقام مدة طويلة فى دير سورى أو عند أحد الرهبان، إذ أن لمثل هذه الزيارات –ناهيك بالصعوبات المادية– صدى سيئاً، ويُتهم كل من يقوم بها من الناحية السياسية؛ لأن المسيحية كانت فى نظر العرب – قبل كل شىء– ديانة الأحباش والبيزنطيين، وطلب الاطلاع أو العمادة يفتح الباب لدخول التأثيرات الأجنبية".(14)

شبهة: أمّيّة محمد

وينبغى علينا بعد ذكر ما قاله (وات)، أن نشير إلى أمّيّة محمد وجهله بالقراءة والكتابة، والذى تحدث عنها القرآن فجاء به: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ}. [الأعراف: 157 ]، وجاء:{فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ}. [الأعراف: 158]، وفى هذه النقطة الهامة قال الدكتور (خضر شايب): "لقد عنى الفكر الاستشراقى اعتناء خاصاً ببحث مسألة (أُمّيّة) النبى محمد، حتى أنه ليندر ألا يعرض لها أحد المستشرقين بالبحث الجاد أو العرضى، رغم عدم تأثير إثبات هذه الصفة أو نفيها عنه على نظريتهم فى نبوته، ولا يعنى هذا بالضرورة ما قد يتبادر إلى الذهن من أنهم مجمعون على إثبات علمه بالقراءة والكتابة، بل لقد ذهب قسم منهم إلى تبنى النظرة الإسلامية فى الموضوع، والمتمثلة فى تأكيد أمّيّته، ومن هؤلاء (أنا مارى)، و (كازيميرسكى)، و (مونتيه) الذين ذهبوا إلى ذلك فى ترجماتهم للقرآن، إضافة إلى (ول ديورانت) الذى قال: "ولكن يبدو أن أحداً لم يعن بتعليمه القراءة والكتابة، ولم تكن لهذه الميزة قيمة عند العرب فى ذلك الوقت، ولهذا لم يكن فى قبيلة قريش كلها إلا سبعة عشر رجلاً يقرؤون ويكتبون، ولم يعرف عن محمد أنه كتب شيئاً بنفسه، وكان بعد الرسالة يستخدم كاتباً خاصاً، ولكن هذا لم يحل بينه وبين المجىء بأشهر وأبلغ كتاب فى اللغة العربية، أو على تعرفه لشؤون الناس تعرفاً قلما يصل إليه أرقى الناس تعليماً".(15)

وإذا دققنا النظر للوهلة الأولى فى الآيتين السابقتين، نجد أن محمدً كان (أمّىّ) حقيقةً، فكيف به أن يدعى لنفسه أو يلصق به الله تلك الصفة، مع عدم صحتها، فى حين أن القرآن خاطب أول من خاطب أهل محمد وعشيرته وأعرف الناس به!!.
فمن الواضح بالنسبة للباحث المتيقظ الجاد -الذى يتوقف عند حدود ما يمكن أن يستخلصه من المادة العلمية الموجودة من نتائج ونظريات دون زيادة ناشئة عن الوهم أو الجهل- أن فترة تحنث محمد كانت مرحلة جهد انسان عادى، أراد أن يُطهر نفسه ويسمو بأخلاق قومه وسلوكهم، ومجارياً فيه لبعض الذين سبقوه فى هذا المسلك، وخصوصاً (زيد بن عمرو بن نفيل) الذى سبق ذكره.(16)
وهو ما يؤكده (كلود كاهن) عندما قال: "يبدو محمد شخصية سامية جمعت بين التفانى والصدق غير المشكوك فيه، وأرادت أن ترفع من مستوى الحياة الأخلاقية والفكرية للبشر الذين عاش بينهم".(17)

بدء الوحى

وبعد سنوات شغلت أثناءها هذه الحقائق العليا نفسه، صار يرى فى منامه أحلاماً تشع بالآمال والوعود، فتنبلج أثناءها أمام بصيرته أنوار الحقيقة التى ينشدها، ويرى معها باطل الحياة وغرور زخرفها.. إذ ذاك أيقن أن قومه قد ضلوا سبيل الهدى... واستمر محمد على هذا الحال حتى شارف الأربعين، وذهب إلى حراء يتحنث وقد امتلأت نفسه إيماناً بما رأى فى منامه من رؤيا، فاتجه بقلبه إلى الله بكل روحه أن يهدى قومه بعد أن ضربوا تيهاء الضلال... وهو فى توجهه هذا يقوم ويرهف ذهنه وقلبه، وتثور به تأملاته، فينحدر من الغار إلى طرق الصحراء، ثم يعود إلى خلوته، إلى أن طالت به الحال ستة أشهر، حتى خشى على نفسه عاقبة أمره، فأسر بمخاوفه إلى خديجة وأظهرها على ما يرى، وأنه يخاف عبث الجن به. فطمأنته الزوج المخلصة الوفية، وجعلت تحثه بأنه الأمين.(18)

وحوالى عام (12ق.هـ/610 م)، وهو معتكف فى غار حراء، إذ تعرض لهجوم مباغت مذهل، فقد ظهر له من يقول له: اقرأ. فقال محمد مرتعداً: ما أنا بقارىء... فأحس أنه يخنقه حتى بلغ منه الجهد ثم أرسله وقال له: اقرأ. فعاود محمد الإجابة وهو مذهول مما يجد: ما أنا بقارىء. فضمه هذا الذى رأى وقال له فى الثالثة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ.. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ.. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ.. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ.. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}. [العلق: 1- 5]، وهذه الآيات هى أول ما نزل من القرآن على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.

فلقد مثلت تلك الكلمات امتداداً لاعتقاد قريش أن الله خلق كل شخص منها، وكشفت وهْم مروءة الاستغناء، وأظهرت الاعتماد الكلى للبشر على الله، وأظهرت خطأ اعتقادهم أن الله هو إله بعيدغائب،بل ها هو حاضر لهداية مخلوقاته، فيجب عليهم الاقتراب منه، وإفراد العبودية له، وعدم الإشراك به.

وما إن تمالك محمد نفسه، فسرعان ما تملكه الرعب من التفكير فى أنه بعد كل جهاده الروحى يتلبسه جنى، فترك الغار وقد انتابته الحيرة فى تفسير ما رأى، ورجع إلى خديجة وفؤاده يرجف. وقال: زملونى زملونى، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال: يا خديجة! مالى! وأخبرها الخبر، وقال: لقد خشيت على نفسى، فكانت خديجة ملك الرحمة وملاذ السلام لهذا القلب الكبير الخائف الوجل، فلم تُبد له أى خوف أو ريبة، وقالت له ما أوردناه سابقاً: "كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق".

وفى الحقيقة إن بدء الوحى هذا، هو الأساس الذى يترتب عليه جميع حقائق الدين بعقائده وتشريعاته، وفهمه واليقين به هما المدخل الذى يسوقنا إلى اليقين بسائر ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من إخبارات غيبية وأوامر تشريعية، وذلك لأن حقيقة (الوحى) هى الفيصل الوحيد بين الإنسان الذى يفكر من عنده ويشرع بواسطة رأيه وعقله، والإنسان الذى يُبلِّغ عن ربه دون أن يغيّر أو ينقِص أو يزيد.

شبهة: إنكار الوحى

من أجل هذا فقد اهتم المشككون فى الإسلام، بمعالجة موضوع الوحى فى حياة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصاروا يبذلون جهداً فكرياً شاقاً، من أجل التلبيس فى حقيقته والخلط بينه وبين الإلهام، وحديث النفس، بل وحتى الصرع أيضاً، وذلك لعلمهم بأن موضوع (الوحى) هو منبع يقين المسلمين وإيمانهم بما جاء به محمد من عند الله، فلئن أتيح تشكيكهم بحقيقته، أمكن تكفيرهم بكل ما قد يتفرع عنه من عقائد وأحكام، وأمكنهم أن يمهدوا لفكرة أن كل ما دعا إليه محمد من المبادئ والأحكام التشريعية ليس إلا من تفكيره الذاتى.(19)

ونجد ذلك فى تحليل فكرة الوحى لدى غير المسلمين: من الشرقيين والغربيين، حيث كان هناك تفسيران لفكرة (الوحى)، فالتفسير الأول والذى تبناه كثير منهم. هو: أن محمداً قد وصل إلى اتخاذ قرار ادعاء النبوة بعد مرحلة تفكير عميق واع، ومقارنة واضحة بين عقائد الوثنيين المشركين وبين العناصر التوحيدية التى استقاها من مصادر متعددة، وهذا الرأى قد تبناه (بروكلمان)..فقال: "وأغلب الظن أن محمداً قد انصرف إلى التفكير فى المسائل الدينية فى فترة مبكرة جداً... ومع الأيام أخذ الإيمان يعمر قلبه، ويملك عليه نفسه فيتجلى له فراغ الآلهة الأخرى... كان محمد يأخذ بأسباب التحنث والتنسك، ويسترسل فى تأملاته حول خلاصه الروحى ليالى بطولها... لقد تحقق عنده أن عقيدة مواطنيه الوثنية فاسدة فارغة، فكان يضج فى أعماق نفسه بهذا السؤال: إلى متى يمدهم الله فى ضلالهم، ما دام عز وجل قد تجلى آخر الأمر للشعوب الأخرى بوساطة أنبيائه؟. وهكذا نضجت الفكرة فى نفسه، أنه مدعو إلى أداء هذه الرسالة، رسالة النبوة".(20)

وسار على هذا النهج (ول ديورانت)، وأضاف إلى العناصر التى أقنعت محمد باتخاذ قراره. ما لاحظه من قوة سياسية للدول الموحِدة. فقال: "وتدل كثير من آيات القرآن على إعجابه بأخلاق المسيحيين، وبما فى دين اليهود من نزعة إلى التوحيد، وبما عاد على المسيحية واليهودية من قوة كبيرة؛ لأن لكلتيهما كتاباً مقدساً تعتقد أنه موحى لها من عند الله... ولهذا أحس بالحاجة إلى دين جديد... دين يؤلف بين هذه الجماعات المتباغضة، ويخلق منها أمة قوية سليمة، دين يسمو بأخلاقهم... ولكنه قائم على أوامر منزلة لا ينازع فيها إنسان".(21)

أما عن الآب (لامانس) فقد جعل أسباب اعتناق النبى محمد للتوحيد والإيمان بالبعث، تكمن فى الرؤى والأحلام والتملكات الشيطانية -كما يزعم-، وفى مقابل هذه المرحلة اللاواعية فقد كانت مرحلة النبوة الحقيقية قراراً واعياً اتخذه النبى محمد صلى الله عليه وسلم بناء على قياس منطقى، ذلك أنه لما: "وجد أنه يلتقى فى هذه المذاهب مع اليهود والنصارى، وأدى به الاقتناع بوجود إله واحد إلى القول بوجود وحى واحد، ولما كان من غير الممكن أن يترك الله العرب، فقد حكم بأنه مدعو إلى: الدعوة إلى هذه الحقائق بين مواطنيه".(22)
ومن أمثلة الإتهامات التى نالت من محمد صلى الله عليه وسلم، ما جاء به أحد عمالقة الأدب (هوجو جروتيوس23Hugo Grotius )، إذ أتى بتهمة جديدة لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، حين ادعى فى رواية له: أن محمداً كان يقوم بتدريب الحمام على التقاط الحبوب من أذنيه ،حتى يستطيع بهذه الحيلة أن يوهم الناس أن روح القدس –الملَك جبريل– قد جاءه على شكل حمامة ليوحى إليه برسالة الله والتى دَونها بعد ذلك فى كتابه المقدس المسمى بالقرآن.

وبالطبع فإن (جروتيوس) كتب هذه الرواية الزائفة بوحى من قراءاته التى تأثر بها فى الإنجيل، حيث جاء فى العهد الجديد: {فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء و إذا السماوات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتياً عليه}.[ 3:16 يوحنا] ... وبهذا قد أوقع نفسه فى مأزق لم يستطع الخروج منه، فحينما طُلب منه برهان ما جاء به. تعثر وأجاب أنه: "لا يوجد برهان!".(24)... وأنى له بالبرهان على ما زعم، ولم يرِد فى كل الوثائق التى ذكرت وصف الوحى المنزل على محمد ما يشير من قريب أو بعيد إلى ما زعم، فهى لم تتعد ما جاء به (ابن القيّم) حين ذكر مراتب الوحى على أنها سبعة مراتب. فقال:

الأولى: الرؤيا الصادقة وكانت مبدأ وحيه صلى الله عليه وسلم، وكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح.

الثانية: ما كان يُلقيه الملك في رُوعه وقلبه من غير أن يراه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي أَنّهُ لَنْ تَمُوتَ نَفْسٌ حَتّى تَسْتَكْمِلَ رِزْقَهَا فَاتّقُوا اللّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ وَلَا يَحْمِلَنّكُمْ اسْتِبْطَاءُ الرّزْقِ عَلَى أَنْ تَطْلُبُوهُ بِمَعْصِيَةِ اللّهِ فَإِنّ مَا عِنْدَ اللّهِ لَا يُنَالُ إلّا بِطَاعَتِهِ".(25)

الثالثة: أنه صلى الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلا فيخاطبه حتى يعي عنه ما يقول له وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانا.

الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس وكان أشده عليه فيتلبس به الملك حتى إن جبينه ليتفصد عرقا في اليوم الشديد البرد وحتى إن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها. ولقد جاء الوحي مرة كذلك، وفخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتى كادت ترضها.

الخامسة: أنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها فيوحي إليه ما شاء الله أن يوحيه وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في القرآن: {وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى.. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى.. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى.. فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى.. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى.. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى.. وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى.. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى}. [النجم: 7- 14]

السادسة: ما أوحاه الله وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.

السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك،كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعا بنص القرآن وثبوتها لنبينا صلى الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء".(26)

وبعد عرض التفسير الأول والذى يتبنى: أن ادعاء محمد للنبوة كان خاضع لإرادته الواعية، نجد أن هناك من خالفه بتفسير آخر، فوقف موقفاً جديداً يفسر انبثاق الوحى فى نفس النبى باعتباره فعلاً غير خاضع بأى شكل من الأشكال لإرادته، ويعود السبب -الذى دعا هؤلاء إلى مخالفة ما ذهب إليه معظم زملائهم- إلى أن التفسير السابق يُظهر النبى محمد فى ثوب الإنسان غير الصادق فى دعواه النبوة، ووعيه التام بأنه كان يخدع الناس، ويتضح لنا هذا السبب فى قول (وات)، حين ذهب إلى التأكيد على عناصر الصدق النفسى للنبى محمد من منظور جدلى لأصحاب التفسير الأول، فقال: "وأقصى ما يصل إليه هذا الرأى: القول بأن محمداً لم يكن يؤمن بما يوحى إليه، وأنه لم يتلقَ الوحى من مصدر خارجى عنه، بل إنه ألف الآيات عن قصد ثم أعلنها للناس... ومثل هذه النظرة للأمور غير معقولة؛ وذلك لأنها لا تفسر لنا بصورة مُرضية لماذا كان محمد فى الفترة المكية مستعداً لتحمل جميع صنوف الحرمان، ولماذا فاز باحترام رجال شديدى الذكاء وذوى أخلاق مستقيمة، كما أن ذلك لا يجعلنا نفهم كيف نجح محمد فى تأسيس ديانة عالمية أنجبت رجالاً قداستهم واضحة للعيان".(27)

وبعد أن رفض (وات) التفسير الأول من منظور علمى ومنطقى، جاء برأى مادى يستند على نظرية ما سماه (العقل الخلاق)، والذى اعتبره عنصراً مشتركاً بين عدد من الناس القادرين على أن يعبروا عن أزمنتهم، حيث قال (وات): "وأبدأ بالتأكيد على أننا نجد، على الأقل عند بعض الرجال، ما نسطيع أن نسميه (الخيال الخلاق). وإن الفنانين والشعراء والكُتاب يُعتبَرون أمثلة لما نقوله، إنهم جميعاً يَضعون فى قوالب حساسة ما يشعر به الآخرون ولكنهم لا يستطيعون التعبير عنه، ولهذا فإن أعمالاً كبرى للخيال الخلاق تكتسب صبغة عالمية مؤكدة؛ لأنها تعبر عن عواطف وميول جيل كامل. إنها طبعاً ليست أشياء خيالية؛ لأنها تعالج موضوعات واقعية، ولكنها تستعمل صوراً بصرية أو صوراً تستدعيها الكلمات، لتعبر عما وراء المفاهيم الفكرية للإنسان، وإن الأنبياء والقادة الدينيين –وأنا مُصرٌ على هذا– يمتلكون هذا الخيال الخلاق، إنهم يعلنون عن أفكار مرتبطة أشد الارتباط بأعمق ما يوجد فى التجربة الإنسانية والأكثر مركزية فيها، مع مرجعية خاصة لاحتياجات أزمنتهم".(28)

ومن يقرأ هذا الرأى لـ (وات) يتضح له دون إمعان التفكير فى الكلمات، أن وات رفض فكرة الوحى من الأساس للأنبياء فى كل زمان، واستبدلها بـما سماه (الخيال الخلاق)، وللتأكيد على مفهوم ما قاله وات، نستعرض قولاً آخر له ينكر فيه أن يكون الله هو مصدر القوة للأنبياء، حيث قال: "إن علامة النبى الكبير هى الجاذبية العميقة لأفكاره بالنسبة لمن تَوجه إليهم. من أين تأتى هذه الأفكار؟ بعضهم يقول: من اللاشعور، والمتدينون يقولون: من عند الله، على الأقل بالنسبة للأنبياء الموجودين فى رواياتهم. ورغم أن البعض –مثل (البارون فون هوغل)– يذهبون إلى الادعاء: بأنه فى كل مكان توجد حقيقة ما. فإن مصدرها هو الله، فإننا نستطيع أن نساند مقولة أن هذه الأفكار للخيال الخلاق تأتى من هذه الحياة الأكبر من الإنسان نفسه، والتى توجد فى جانب كبير منها تحت مستوى الشعور".(29)

والحقيقة أننا نقف مندهشين أمام التفسير الذى أراد (وات) بوساطته أن يوحى للقراء بأنه غير خاضع فيه لمبادىء عقيدته المسيحية، بينما واقع الحال يكذب مزاعمه... ويبدو ذلك عندما نراه لا يسوى فعلاً بين النبى محمد وبين أنبياء العهد القديم والجديد، الذين كان يؤمن فعلاً بتعبيرهم عن إرادة خالق الكون، وعدم صدور رسالاتهم عن قوى اللاشعور فقط، كما هو الحال بالنسبة لنبى الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم الذى فصَّل له تفسيراً خاصاً، ومن أدلة هذا اليقين الحاصل عنده، وتهربه الواضح من الإجابة القاطعة فيما يخص نبوة محمد، مع تأكيده الصدق التام للنبى محمد، ما قاله: "وبالنسبة للمسلمين فإن القرآن هو كلام الله، ومحمد نفسه قد فهمه على هذا الاعتبار، ومن المؤكد أنه كان صادقاً تماماً فى اعتقاده، وكان متأكداً أنه يستطيع التمييز بين أفكاره الخاصة وبين ما يأتيه من خارج نفسه ، وإن مواصلة عمله فى ظروف الاضطهاد والعداء التى عاشها كان سيصبح مستحيلاً لو لم يكن مقتنعاً تماماً بأن الله قد أرسله... ولو كان قد أحس بأن هذا الوحى كان من بنات أفكاره لكانت حركته الدينية معدومة الأساس".(30)

ويستمر (وات) فى تهربه من الاعتراف بالنبوة لمحمد، رغم شهادته له بصدق الاعتقاد، ولكى يثبت نظريته التى سماها (الخيال الخلاق)، نراه يقول: "إن القول بأن محمداً كان صادقاً لا يعنى بأن اعتقاداته كانت صحيحة، فإن الرجل قد يكون صادقاً ولكنه مخطىء، وليس من الصعب الإبانة لرجل غربى معاصر كيف أخطأ محمد، ذلك أن ما يبدو بالنسبة للإنسان آتياً من الخارج قد يكون نتيجة اللاشعور".(31)

ونرى أن نرد على مزاعم (وات) بنفس رده على أصحاب التفسير الأول، فنقول: لماذا فاز محمد باحترام رجال شديدى الذكاء وذوى أخلاق مستقيمة، كما أن ذلك لا يجعلنا نفهم كيف نجح محمد فى تأسيس ديانة عالمية أنجبت رجالاً قداستهم واضحة للعيان، ونزيد القول: بأنه لو كان الأمر يكمن فى اللاشعور، فكيف يتأتى لمحمد باللاوعى أن يأتى بمثل هذا القرآن الذى تحدى به الأولين والآخرين، كما سبق وذكرنا فى فصول مضت من هذا الكتاب، حيث تحديه فى اللغة لأهل اللغة ذاتهم، وإخباره بالغيب الذى تحقق فى حياة محمد وبعد موته، وإخباره بحقائق علمية لم يعرفها البشر إلا فى أيامنا تلك، والتى اكتشفها علماء غير مسلمين ودانوا للإسلام بها، ودون أن يكون لها أى ذكر فى الكتاب المقدس بعهديه ولا فى غيره، وكيف كان لهذا الدين أن يقوم على أيدى تلك الحفنة من الناس بضآلة عددهم وعدتهم، بعد أن تغيروا من النقيض إلى النقيض، من عبادة الأوثان وتعدد الآلهة إلى إخلاص العبادة للإله الواحد، ومن التشتت والتشرذم إلى لم الشمل وتوحيد الصفوف لينتصروا على أعظم إمبراطوريتين على مر التاريخ: الفرس والروم، ومن الجهل الذى أحاط بهم إلى أن يسجلوا فى التاريخ من علوم المعرفة المختلفة ما لم يسبقه إليه غيرهم، وليس فقط بل نقلوه إلى شتى بقاع الارض من خلال توسعاتهم من تلك البقعة فى الصحراء إلى مشارق الأرض ومغاربها.

وفى نفس النهج سار الأستاذ (هاملتون جب) (32)، عندما أعلن رفضه للتفسير الأول، وقبوله للتفسير الثانى، إذ تبنى القول بأن رسالة القرآن كانت انبثاقاً حدسياً لا واعياً ناشئاً عن تفاعلات النبى محمد صلى الله عليه وسلم مع الواقع، وقال: "إن الحدود والتعبيرات التى وردت فيه –أى القرآن– هى المنطلق الذى صدر عنه الفكر والمعتقد الإسلامى... ومع ذلك فإن تلك الحدود والتعبيرات ليس منهجية منظمة بالمعنى الكلامى، وإنما هى أقوال شفوية مباشرة تعبر عن مواقف تلقائية معينة، وعن أفكار تم اقتناصها بقوة الحدس".(33)، ولعل الرد على رؤية (هاملتون) يكون بنفس أسلوب الرد على (وات).

أما عن (ديورانت) فقد كانت له رؤية أخرى قريبة شيئاً ما من ذلك التفسير الثانى ولكنه سرعان ما أبطلها، حيث إنه لم يدعِ كذب محمد، ولكنه حاول تفسير حالة محمد الجسدية عند تلقيه للوحى على أنها لا تتعدى نوبة من نوبات الصرع قد انتابته. فقال: "وكثيراً ما كان يحدث أثناء هذه الرؤى أن يسقط على الأرض ويرتجف أو يغشى عليه، ويتصبب العرق من جبينه... وقد يكون ارتجافه ناشئاً عن نوبات صرع... ولكننا لا نسمع بأنه عض فى خلالها لسانه أو حدث ارتخاء فى عضلاته كما يحدث عادة فى نوبات الصرع، وليس فى تاريخ محمد ما يدل على انحطاط قوة العقل التى يؤدى إليها الصرع عادة، بل نراه على العكس يزداد ذهنه صفاء، ويزداد قدرة على التفكير وثقة بالنفس وقوة فى الجسم والروح والزعامة كلما تقدمت به السن. وقصارى القول أنا لا نجد دليلاً قاطعاً على أن ما كان يحدث للنبى كان من قبيل الصرع".(34)، وبالرغم من أن (ديورانت) لم يدع مجالاً للتعليق، حيث أبطل الإدعاء بنفسه، لكن نشير إلى أن نوبات الصرع التى ذكرها لم يكن لها مصدر فى وثائق السيرة للنبى محمد، وقد سبق ذكر مراتب الوحى سابقاً، وكان (وات) له رد أيضاً على مثل هذا، حين قال: "إن محمداً قد ميز بين ما يوحى إليه وبين أفكاره الخاصة، ولقد أكد أعداء الإسلام غالباً أن محمداً كان مصاباً بالصرع، وأن تجاربه الدينية لهذا لا قيمة لها، ولكن الأعراض الموصوفة لا تشبه أعراض الصرع؛ لأن هذا النقص يؤدى إلى تخاذل جسدى وعقلى بينما ظل محمد حتى آخر حياته مالكاً لقواه العقلية، وحتى لو أمكن ادعاء ذلك فإن الحجة تظل مناقضة لكل رأى سليم، إذ لم تقم إلا على الجهل والوهم؛ لأن المظاهر الجسدية الملازمة لا تثبت ولا تنفى قط بنفسها التجربة الدينية".(35)

وبمقارنة بسيطة بين الصرع والوحى يتضح لنا أن: "الصرع يعطل الإدراك الإنسانى وينزل بالإنسان إلى مرتبة آلية يفقد أثناءها الشعور والحس، ويثور إذا اشتدت به النوبة فيصيب غيره بالأذى، وهو أثناء ذلك غائب عن صوابه، لا يدرك ما يصدر عنه ولا ما يحل به، أما الوحى فسمو روحى اختص الله به أنبياءه ليلقى إليهم بحقائق الكون اليقينية العليا كى يبلغوها الناس، وقد يصل العلم إلى إدراك بعض الحقائق ومعرفة سُننها وأسرارها بعد أجيال وقرون، وقد يظل بعضها لا يتناوله العلم حتى يرث الله الأرض ومن عليها".(36)

وفى هذا السياق لا ننسى أن نذكر الأستاذ (ابن نبى) (37)والذى بحث روايات بدء الوحى بحثاً جيداً، واستنتج منها استقلال الظاهرة عن نفس النبى محمد صلى الله عليه وسلم. فقال: "ومن الواجب أن نذكر مدى التباعد الرئيسى البين فى الحوار بين الذات المتكلمة الآمرة الحازمة، والذات المخاطبة المضطربة المجفلة –(ما أنا بقارئ) مثال على الإجفال-... إن هذا التباعد يصور لنا عملية نفسية أخرى مختلفة تماماً عن الأولى، ولكنها متحدة معها فى الزمن، فإن هاتين الحالتين –أى التباعد الجوهرى والتباعد الزمنى– متعارضتان سواء تصورناهما فى مجال واحد للذات، أو فى مجالين مختلفين، هما: الشعور واللاشعور، فهناك بالضرورة تعدد فى الذوات... وهو تعدد لا يمكن أن تضمه وحدة نفسية، فنحن مضطرون لهذا أن نقرر ازدواج الذات كما يحدث فى أى حوار عادى، وبين هاتين الذواتين اللتين تتحاوران تنجلى الذات المحمدية كشاهد واع، ومؤرخ صادق للواقع الذى نحلله... ومع ذلك فهذه هى المرة الوحيدة التى ستحدد فيها هذه الذات موقفها بالنسبة للظاهرة الغريبة ".(38)

ومن المعروف أن الاستقلال بين هاتين الذاتين –حسب تعبير الأستاذ (ابن نبى)– قد تجاوز لحظة الوحى الأولى، فكان حقيقة مصاحبة لنزول القرآن، أى مدة عشرين سنة كاملة. ومن ملامح ذلك نزول آيات كثيرة تلوم النبى محمد صلى الله عليه وسلم عن بعض المواقف الدعوية أو الشخصية التى وقفها، وهذا يؤكد عدم تحكمه فى محتوى الوحى أو فى زمانه، ومن أمثلته ما حدث حين حدد النبى محمد صلى الله عليه وسلم للمشركين وقتاً لإجابتهم عن سؤالهم -سؤال اليهود فى الحقيقة- عن أصحاب الكهف وذى القرنين والروح، فتأخر نزول الوحى حتى تأثر النبى لذلك، ورجا نزول القرآن، ثم نزلت الإجابة وفيها تعليم وعتاب له، قال الله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا.. إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا}. [الكهف: 23- 24]، وقال الله تعالى: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. [مريم: 64]

واستناداً إلى مثل هذه المعلومات اليقينية قرر الأستاذ (ابن نبى) استمرار الانفصال بين الوحى والنبى محمد حتى نهاية رسالته، قال: "وسنجد فيما بعد، وإلى النهاية أن الذات المحمدية لن تتحدث مع الذات المتكلمة حين تخاطبها. وهذا الصمت فى ذاته جدير بالملاحظة؛ لأنه يسجل إدراك الرسول النهائى أمام الظاهرة التى سيقف منها، منذ ذلك الحين، موقف التسليم".(39)

وبعد التعرض لظاهرة الوحى وما حوته من انتقادات وتحليلات وردود، نجد فيما سبق أن محمداً صلى الله عليه وسلم -بشهادة المشككين- كان صادقاً فى اعتقاداته، وأن ما جاء به لا يعدو كونه وحياً قد أوحى به الله إليه، وأن ادعاءاتهم لم تستند إلى أى سند علمى أو وثائقى، وربما يتضح ذلك فى دفع (وات) لصحة التفسير الأول كما أسلفنا، ولعل فى الصفحات التالية التأكيد على ما سقناه فى السابق.
المراجع

1- محمد نبى لزماننا. ص40،42 بتصرف.
2-كارل بروكلمان...ألمانى،أستاذ فى عدة جامعات.
3- نبوة محمد ص368 - نقلاً عن( تاريخ الشعوب الإسلامية ص26).
4- محمد نبى لزماننا ص 41 بتصرف.
5- حياة محمد/ محمد حسين هيكل (طبعة دار المعارف ص145بتصرف).
6- البخارى
7- نبوة محمد ص456 - نقلاً عن (Mohamet prophet et H . d’ETAT – P 14).
8-...إنجليزى،من رجال اللاهوت المسيحى،عميد قسم الدراسات الإسلامية فى أدنبره
9- نبوة محمد ص 455 - نقلاً عن(العقيدة والشريعة فى الاسلام)
10- ...كاهن كنيسة السيدة العذراء بالفجالة-القاهرة.
11- تفسير العهد القديم للآب/ أنطونيوس فكرى
12- حياة محمد ص 146،147
13-نبوة محمد ص449 - نقلاً عن (Mohamet prophet et H . d’Etat – P 37)
14- نبوة محمد 449 -نقلاً عن( محمد فى مكة/ وات.ص482)
15- نبوة محمد ص389 - نقلاً عن(قصة الحضارة.11 / 21)
16- نبوة محمد ص457
17- نبوة محمد 442 - نقلاً عن(I’Islam medieval – p 83.).
18- حياة محمد ص148
19- فقه السيرة/ للبوطى.ص 63
20- نبوة محمد.ص459 -نقلاً عن( تاريخ الشعوب الإسلامية ص 34,35 ).
21- نبوة محمد.ص459 -نقلاً عن( قصة الحضارة11/23،24 )
22- نبوة محمد.ص460-نقلا عن( I’Islam croyances et institutions).
23- ...محام ولاهوتي ورجل دولة وشاعر هولندي، ويعتبر مؤسس القانون الدولي.
24- الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم /ديدات ص26-27.
25- صحيح الجامع.
26- زاد المعاد/ ابن القيم 1/37-38
27- نبوة محمد ص464-نقلا عن( محمد فى المدينة/وات)
28-نبوة محمد ص461 - نقلاً عن (Mohamet prophet et H. d’Etat – P 209)
29- المرجع السابق.ص210
30- المرجع السابق.ص216
31- نبوة محمد ص461 - نقلاً عن (Mohamet prophet et H. d’Etat – P 217)
32-...انجليزى،مدير مركز دراسات الشرق الأوسط،اشتغل بالأستاذية فى عدد من الجامعات.
33- نبوة محمد.ص 460 -نقلاً عن( دراسات فى حضارة الإسلام.ص234)
35- نبوة محمد.ص473 -نقلاً عن( قصة الحضارة 11/25،26)
36- نبوة محمد .ص474 - نقلاً عن(محمد فى مكة/وات. ص101)
37- حياة محمد .ص 58
38- نبوة محمد.ص 472-نقلاً عن( الظاهرة القرآنية .ص158 )
39- المرجع السابق.

قصة الوحى (1)

محمد قبل البعثة

بيئته:

نشأ رسول الله فى بيئة صحراوية لا تعرف الزراعة ولا الصناعة إلا قليلاً وإنما كانت التجارة هى مصدر عيشهم، وكان الذين يمارسون التجارة من سكان الجزيرة العربية هم أهل المدن، ولا سيما أهل مكة فقد كان لهم مركز ممتاز في التجارة، وكان لهم بحكم كونهم أهل الحرم منزلة في نفوس العرب فلا يعرضون لهم، ولا لتجارتهم بسوء، وقد امتن الله عليهم بذلك في القرآن الكريم: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ}. [العنكبوت: 67]

وقد ابتُلِى العرب بتخلف ديني شديد، ووثنية سخيفة لا مثيل لها، وانحرافات خُلقية، واجتماعية، وفوضى سياسية، وتشريعية، ومن ثم قل شأنهم وصاروا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية أو الرومانية، وقد امتلأت قلوبهم بتعظيم تراث الآباء والأجداد واتباع ما كانوا عليه مهما يكن فيه من الزيغ والانحراف والضلال ومن ثَم عبدوا الأصنام، فكان لكل قبيلة صنم (1).

وقد حالت هذه الوثنية السخيفة بين العرب، وبين معرفة الله وتعظيمه وتوقيره والإيمان به، وباليوم الآخر وإن زعموا أنها لا تعدو أن تكون وسائط بينهم وبين الله، وقد هيمنت هذه الآلهة المزعومة على قلوبهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وجميع جوانب حياتهم، وضعف توقير الله في نفوسهم قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}. [الأنعام: 36] ... أما البقية الباقية من دين إبراهيم عليه السلام فقد أصابها التحريف، والتغيير والتبديل، فصار الحج موسما للمفاخرة والمنافرة، والمباهاة وانحرفت بقايا المعتقدات الحنيفية عن حقيقتها وألصق بها من الخرافات والأساطير الشيء الكثير.

أما عن أخلاق العرب فقد ساءت، حتى أنهم أولعوا بالخمر والقمار، وشاعت فيهم الغارات وقطع الطريق على القوافل، والعصبية والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، والسرقة والزنا... وكانت التقاليد والأعراف قد هيمنت على حياة العرب، وأصبحت لهم قوانين عرفية فيما يتعلق بالأحساب والأنساب، وعلاقة القبائل ببعضها والأفراد كذلك، فكانت كل قبيلة من القبائل العربية لها شخصيتها السياسية، وهي بهذه الشخصية كانت تعقد الأحلاف مع القبائل الأخرى، وبهذه الشخصية أيضًا كانت تشن الحرب عليها... وكانت الحروب بين القبائل على قدم وساق، فقد تكون أسبابها شخصية أحيانًا، أو طلب العيش أحيانًا أخرى، إذ كان رزق بعض القبائل في كثير من الأحيان في حد سيوفها،ولذلك ما كانت القبيلة تأمن أن تنقض عليها قبيلة أخرى في ساعة من ليل أو نهار لتسلب أنعامها ومؤنها، وتدع ديارها خاوية كأن لم تسكن بالأمس(2) ... وقد قضى الإسلام على ذلك حتى كانت تسير المرأة والرجل من صنعاء إلى حضرموت لا يخافان إلا الله والذئب على أغنامهما. (3)

ولم يكن العرب أهل كتاب وعلم كاليهود والنصارى، بل كان يغلب عليهم الجهل والأمية، والتقليد والجمود على القديم -وإن كان باطلا- وكانت أمة العرب لا تكتب ولا تحسب وهذه هي الصفة التي كانت غالبة عليها، وكان فيهم قليل ممن يكتب ويقرأ ومع أميتهم وعدم اتساع معارفهم فقد كانوا يشتهرون بالذكاء، والفطنة، والتهيؤ لقبول العلم والمعرفة، ولذلك لما جاء الإسلام صاروا علماء، حكماء، فقهاء، وزالت عنهم الأمية، وأصبح العلم والمعرفة من أخص خصائصهم، وقد وضح ذلك عند حديثنا عن حضارة الإسلام . (4)

لقد كانت المرأة عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكانوا لا يورثون البنات ولا النساء ولا الصبيان، ولا يورثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على ظهور الخيل، وبقي حرمان النساء والصغار من الميراث عرفا معمولاً به عندهم إلى أن نزل قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}. [النساء: 7]، وكان العرب يُعيّرون بالبنات؛ وكثيرا ما كانوا يختارون دسها في التراب، ووأدها حية، ولا ذنب لها إلا أنها أنثى، وقد حدثنا القرآن الكريم عن حالة من تولد له بنت فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ - يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ}. [النحل: 58-59]

وكان بعض العرب يقتل أولاده من الفقر أو خشية الفقر فجاء الإسلام وحرم ذلك قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. [الأنعام: 151]، وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}. [الإسراء:31].

وقد كان من سنن الله عزوجل في هذه الحياة، أن جعل لكل بداية نهاية، فمع اليوم غداً، وبعد الحدث جدثاً، ولكل مولود يوم موعود، وهذه سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، فكم من حضارة قامت وازدهرت ثم ما لبثت أن تبدلت وتبددت. ولكن جعل الله لهذه السنن أسباباً ونواميس وقوانين؛ حتى يسهم البشر في صنعها؛ في تقديمها و تأخيرها، بحسب علمهم وحلمهم. وحتى يكون الجزاء من جنس العمل، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

فهكذا لمّا اندرست معالم التوحيد في أرض الجزيرة وترك الناس ملة الحنيفية خلا نفر قليل، واجتالت الشياطينُ البشرَ فتاهوا بين وثنية، ومجوسية، ويهودية، ونصرانية، (وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب)(5).، أمست حضارة العرب في حضيض وغدو في شر حال(6) وآذن الناس بهلاك، ولكن اقتضت رحمة الله أن ينبثق فجرٌ وأن يُبعث رسولٌ يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم إلى صراط مستقيم:

لمّا أطل محمدٌ زكت الربى... واخضر في البستان كل هشيم.

فألف الله به بين الشمل وجمع به بين القلوب وعصم به من كيد الشيطان... واقتضت حكمته أن تكون أرض النبوة الخاتمة والرسالة العالمية الخالدة هي أرض الجزيرة العربية. ليبلغ أهلها رسالة ربهم إلى الناس كافة "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها .. لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم. فهم بالوصف الأول: أهل لفهم الدين وتلقيه. وبالوصف الثاني: أهل لحفظه، وعدم الاضطراب في تلقيه. وبالوصف الثالث: أهل لسرعة التخلق بأخلاقه، إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة... وبالوصف الرابع: أهل لمعاشرة بقية الأمم، إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى" (7).

نسبه:

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر-وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة- بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن هميسع بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبىَّ بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.(8)

أعمامه:

كان لجده (عبد المطلب) عشرة بنين، وهم: الحارث والزبير وأبو طالب، وعبد الله(9) وحمزة، وأبو لهب، والغيداق ، والمقوم، وصفار، والعباس.

وأما البنات فست وهن: أم الحكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى، وأميمة.(10)

مولده:

ولد (محمد) فى عشيرة بنى هاشم، واحدة من أوسط عائلات قريش. فى صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل(11)، ولأربعين سنة خلت من مُلك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثانى وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م، ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده (عبد المطلب) تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفاً فى العرب، ويقول (ول ديورانت) فى هذا الاسم: "ولفظ (محمد) مشتق من الحمد وهو مبالغة فيه، كأنه حمد مرة بعد مرة، ويمكن أن تنطبق عليه بعض فقرات في التوراة تبشر به.(12) وختنه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.(13)

وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم، ابتعاداً لهم عن أمراض الحواضر؛ لتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى فى مهدهم، فالتمس جده عبد المطلب مرضعة تدعى (حليمة السعدية).(14)

وكان جده الأكبر (عبد المطلب) شيخاً معظماً فى قريش، يصدرون عن رأيه فى مشكلاتهم ويقدمونه فى مهماتهم(15)، وكان أول من تاجر لحسابه مع الشام واليمن، وكان لبنى هاشم شرف سقاية الحجاج، ولكن أصابت هاشماً ضائقة مالية. كذلك مات أبوه (عبد الله) قبل ولادته، وكانت أمه (أمنة) فى شدة حتى أن المرضعة التى أخذت محمداً كانت من أفقر قبائل الجزيرة العربية، وعاش محمدٌ عند (حليمة السعدية) ست سنوات(16) من الحياة البدوية فى أخشن صورها، وكانت من أول ما ظهر له من البركات، أن صارت غنيمات حليمة -بعدما صار هو بينهم- تؤوب من مرعاها وإن أضراعها لتسيل لبناً، بعد أن كانت مجدبة جافة لا لبن فيها.، وبعد عودته إلى مكة بسنة، ماتت أمه، مما ترك فيه حزناً مضاعفاً واهتماماً كبيراً باليتامى لما كبُر.

وقد عاش محمد مع جده (عبد المطلب)، الذى أحبه وقربه إليه، وكان يأخذه معه إلى الكعبة وسط أعمامه، ويجلسه بجواره ويربت على ظهره بحب، ولكن مات عبد المطلب ومحمد ما زال فى الثامنة ولم يرث شيئاً، فأخذه عمه (أبو طالب) –كبير بنى هاشم، وذو المكانة الرفيعة فى مكة- برغم أن أعماله التجارية كانت فى هبوط. وأحب أبو طالب محمداً حباً كبيراً، وكذلك أحبه أعمامه.(17)

ونهض (أبو طالب) بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.(18)
ولما بلغت سن (محمد) اثنتى عشرة سنة، أراد عمه وكفيله السفر بتجارة إلى الشام، فاستعظم محمدٌ فراقه، فرَقَّ له، وأخذه معه، وهذه هى الرحلة الأولى، ولم يمكثوا فيها إلا قليلاً، وقد أشرف على رجال القافلة- وهم بقرب بصرى- بحيرا الراهب، فسألهم عما رآه فى الكتاب المقدس من بعثة نبى من العرب فى هذا الزمن، فقالوا: إنه لم يظهر إلى الآن، وهذه العبارة كثيراً ما كان يلهج بها أهل الكتاب من اليهود والنصارى قبل بعثة محمد(19)، ولذلك ورد فى القرآن قول الله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}" {البقرة: 89}

ولقد شهد (محمدٌ) عند بلوغه الخامسة عشر حلفاً استراتيجياً، يُطلق عليه حلف الفضول، تداعت إليه قبائل من قريش، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُرد عليه مظلمته، رغم أن هذا الحلف روحه تنافى الحمية الجاهلية التى كانت العصبية تثيرها، وقد قال محمدٌ بعد أن أكرمه الله بالرسالة: لقد شَهدّتُ حلفاً ما أُحب أن لى به حمر النعم، ولو أُدْعَىَ به فى الإسلام لأَجَبت.(20)

ولأن محمداً لم يرث من والده شيئاً، وقد ولد يتيماً فقيراً، فعندما بلغ مبلغاً يمكنه أن يعمل عملاً ما، اشتغل برعى الأغنام لأهل مكة، حتى أثَّرت تلك الحرفة فى شخصيته، فسكن قلبه الرأفة واللطف تعطفاً بأضعف البهائم، حتى أصبحت تلك السمات هى نفس سمات تعامله مع البشر.(21)

فلما بلغ الخامسة والعشرين من عمره، وكانت أخباره وصفاته الحميدة قد زاعت بين الناس، حتى سمعت بها (خديجة بنت خويلد) -وهى امرأة تاجرة ذات شرف ومال، كانت تستأجر الرجال فى مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم-، فعرضت عليه أن يخرج فى مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، وأرسلت معه غلاماً لها، فلما أنهى الرحلة إلى الشام –كانت هذه رحلته الثانية- وعاد إلى مكة، رأت خديجة فى مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها بما رأى من خلال محمد العذبة، وشمائله الكريمة، وفكره الراجح، ومنطقه الصادق، ونهجه الأمين، وبهذا النجاح الذى حققه محمد فى تجارته وهذه الخصال الكريمة التى عرفتها عنه، وجدت فى فيه ضالتها المنشودة -مع أن السادات والرؤساء كانوا يحرصون على الزواج منها فتأبى عليهم- فتحدثت بذلك إلى صديقة لها، فلم تلبث تلك الصديقة إلى أن تُعلمْ محمد بما فى نفس خديجة، فرضى محمد بالزواج من خديجة، وكانت خديجة تبلغ الأربعين من عمرها وقد سبق لها الزواج، لكنها كانت أفضل نساء قومها نسباً وثروةً وعقلاً، وتزوجها محمد ولم يتزوج غيرها، إلى أن ماتت وهو فى الخمسين من عمره، ويقول (ديورانت) فى هذا الشأن ما نصه: "ولم يتزوج غيرها حتى توفيت بعد ذلك بستة وعشرين عاماً، ولم يكن الاقتصار على زوجة واحدة أمراً مألوفاً عند أغنياء العرب في ذلك الوقت".(22)، وقد أنجب محمد من خديجة كل أولاده عدا (ابراهيم) –كان من (مارية القبطية) (23)-، فكان له منها القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله، وقد مات بنوه كلهم فى صغرهم، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهن أدركتهن الوفاة أيضاً فى حياته، سوى فاطمة ماتت بعده بستة أشهر.(24)

ولما بلغت سن محمد خمساً وثلاثين سنة، جاء سيل جارف، فصدع جدران الكعبة بعد وهنها من حريق كان أصابها من قبل، فأرادت قريش هدمها ليرفعوها ويسقفوها، فاجتمعت قبائلهم لذلك، فهدموها، ثم ابتدئوا فى البناء، وأعدوا لذلك نفقة، واتفقوا على ألا يدخل فى تلك النفقة مهر بغيّ، ولا بيع ربا، وذلك تعظيماً لبيت الله وتقديساً له، فلما تم البناء وأرادوا وضع الحجر الأسود فى موضعه، اختلف أشرافهم فيمن يشرُف برفع الحجر وتنافسوا على ذلك، حتى كادت تشب بينهم نار الحرب، ودام بينهم الخصام أربع ليال حتى اتفقوا على أن يحكِّموا بينهم أول قادم عليهم، فكان أول قادم عليهم هو محمد بن عبد الله فاطمأن الجميع له وقالوا: هذا الأمين رضيناه ، هذا محمد -وكانوا يتحاكمون إليه ويعهدون فيه الأمانة وصدق الحديث- فلما أخبروه الخبر بسط رداءه، وقال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب"، ثم وضع فيه الحجر، وأمرهم برفعه حتى انتهوا إلى موضعه، فأخذه ووضعه فيه.، وبهذا القضاء الحكيم انتهت المشكلة وخمدت الحرب بين القبائل قبل أن تشتعل، ولا يُستغرب من قريش تنافسهم هذا؛ لأن الكعبة هى قبلة العرب وكعبتهم التى يحجون إليها، فكان لزاماً أن يكون كل عمل بها عظيم وفيه الفخر والتشريف.(25)
________________________________________
1- السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث/على محمد الصلابى نقلاًعن(الغرباء الأولون،ص60).
2- السيرة النبوية/الصلابى نقلاً عن(دراسة تحليلية لشخصية الرسول/د.محمد قلعجى)
3- المرجع السابق نقلاً عن (السيرة النبوية لأبي شهبة 1/93)
4- المرجع السابق
5- جزء من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه وهو عند مسلم برقم 2865.
6- عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: "لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل". رواه الإمام أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد.
7- خصائص جزيرة العرب ص61، للشيخ بكر أبو زيد. مع اختصار يسير.
8- الرحيق المختوم / صفى الرحمن المباركفورى ص45
9- عبد الله... هو والد النبى محمد صلى الله عليه وسلم
10- الرحيق المختوم. ص43.
11- هى محاولة هدم الكعبة بواسطة جيش يقوده أبرهة الأشرم والى النجاشى على اليمن، وكان يتقدمها مجموعة من الفيلة.
12- قصة الحضارة/ول ديورانت (محمد فى مكةج13ص21)
13- الرحيق المختوم. ص 45
14- الرحيق المختوم ص46.
15- نور اليقين فى سيرة سيد المرسلين/ محمد الخُضرى. ص13
16- اختلف أهل السير فى مكوثه صلى الله عليه وسلم عند حليمة، ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.
17- محمد نبى لزماننا / كارلين أرمسترونج. ص36،37
18- الرحيق المختوم ص48
19- نور اليقين ص.17
20- الرحيق المختوم بتصرف ص48
21- نور اليقين ص 22 .
22- قصة الحضارة /محمد فى مكة.ص22
23- ...الجارية التى أهداها إليه المقوقس عظيم القبط فى مصر.
24- الرحيق المختوم ص51
25- نور اليقين ص21 بتصرف.

الثلاثاء، 20 أبريل 2010

ختان الإناث


الختان بين الحق والباطل

أثارت قضية الختان جدلاً واسعاً فى الفترة الماضية وما زالت القضية مطروحة أمام علماء الدين والطب بين مُقِر بمشروعيته وبين غير مُقِر، مما جعل الناس فى حيرة من أمرهم، فهل نفعل ما كان عليه آباؤنا وأجدادنا واعتدنا عليه منذ أزمنة بعيدة أم نترك ما كان عليه الأولون؟ وهل هو مشروع أم غير مشروع؟ وهل هو ضار أم نافع؟! أسئلة عديدة تحتاج إلى إجابة شافية للصدور ومُطمئنة للقلوب ومُرضية للعقول ... لأنه يمس أجسادنا وأجساد أبنائنا وبناتنا وحياتهم المستقبلية، وقد ذهبنا نبحث فى هذه القضية حتى توصلنا بفضل الله إلى ما يهدى الضالين ويشرح صدور المكروبين ويجيب أسئلة السائلين والحائرين ..

· الختان تعريفاً لفظياً:

- جاء فى فقه السنة: الختان هو قطع الجلدة التى تغطى الحشفة "رأس عضو التذكير" لئلا يجتمع الوسخ وليتمكن من الإستبراء من البول ولئلا تنقص لذة الجماع هذا بالنسبة للرجل، أما المرأة فينقطع الجزء الأعلى من الفرج بالنسبة لها.

· الختان فى شرع السابقين:

- فى كتاب التوراة سفر التكوين الإصحاح 17 فقرة 20:10
" وكان إبراهيم بن تسع وتسعون سنة حين خُتن فى لحم غرلته وكان إسماعيل ابنه ابن ثلاث عشرة سنة حين خُتن فى لحم غرلته ، فى ذلك اليوم خُتن إبراهيم وإسماعيل ابنه وكل رجال بيتهولدان البيت والمبتاعين بالفضة من ابن الغريب خُتنوا معه".
- وفى إنجيل لوقا الإصحاح 2 الفقرة 22:21
" ولما تمت ثمانية أيام ليختنوا الصبى سُمى يسوع كما تسمىَ قبل أن حُبل به فى البطن".
- قلت: وهذا دليل من التوراة والإنجيل على ختان أبى الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل وكل أهل داره من الذكور، ودليل أيضاً على ختان المسيح عليه السلام، وإن كان قد ذُكر فى كتب السابقين ختان الذكور فقط، فقد أكمل الله لنا ديننا وأتم علينا نعمته ورضى لنا الإسلام دينا، فجاء فى شرعنا وديننا الأدلة الكافية على مشروعية ختان الإناث والتى سنسوقها فيما يلى:

· الختان فى كتاب الله"القرآن الكريم:

قال الله تعالى فى سورة البقرة: " وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ".آية 124. قال ابن عباس فى هذه الآية : ابتلى الله ابراهيم بالطهارة خمسً فى الرأس وخمس فى الجسد، ففى الرأس: قص الشارب والمضمضة والاستنشاق والسواك وفرق الرأس... وفى الجسد: تقليم الأظافر وحلق العانة والختان ونتف الإبط وغسل أثر الغائط والبول بالماء".
وقال بن أبى حاتم ورُوىَ عن سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبى والنخعى وأبى صالح وأبى الجلد نحو ذلك.
- وفى تفسير هذه الآية جاء فى القرطبى وفى الموطأ وغيره عن يحي بن سعيد أنه سمع سعيداً بن المسيب يقول: ابراهيم عليه السلام أول من اختتن وأول من ضاف الضيف وأول من قلم أظافره وأول من قص الشارب وأول من شاب." تفسير القرآن العظيم لابن كثير".
- وقال الله تعالى فى سورة النحل الآية123:" ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ". ومما سبق قد علمنا أن الختان كان من ملة ابراهيم عليه السلام.
- وجاء فى صحيح الإمام البخارى رحمه الله عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اختُتن ابراهيم عليه السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم" قيل : القدوم – آلة النجار- وقيل: المكان الذى اختتن فيه، والراجح أنه الآلة التى اختتن بها، فحق علينا الامتثال لقول الله تعالى فى الآية السابق ذكرها باتباع ملة ابراهيم عليه السلام.

·الختان فى السنة:

عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" خمسٌ من الفطرة: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط". رواه البخارى ومسلم.
- وفى صحيح البخارى كتاب الغسل المجلد رقم1 باب" إذا التقى الختانان".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إذا التقى الختانان وجب الغسل". قال الحافظ بن حجر : المراد بهذه التثنية" الختانان" ختان الرجل والمرأة.
- وجاء فى تمام المنة- ما مختصره- فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الختانات فى المدينة:"اخفضى ولا تنهكى، فإنه أنضر للوجه وأحظى للزوج". رواه أبو داوود والبزار والطبرانى وغيرهم.( ومعنى قد صح أى الحديث صحيح).

·الختان عند الفقهاء وأئمة المسلمين والمحدثين:

- سُئل شيخ الإسلام بن تيمية: "هل تُختن المرأة أم لا"؟
فأجاب: الحمد لله. نعم تُختن. وختانها أن تُقطع أعلى الجلدة التى كعرف الديك وفى الحديث قال رسول الله صلى عليه وسلم للخافضة وهى الخاتنة: "أشمى ولا تنهكى فإنه أبهى للوجه وأحظى عند الزوج". أى لا تبالغى فى القطع، وذلك لأن المقصود بختان الرجل تطهيره من النجاسة المحتقنة فى القلفة، والمقصود بختان المرأة تعديل شهوتها فإنها إذا كانت قلفاء أى غير مختونة كانت شديدة الشهوة ولهذا يقال فى المشاتمة بين العرب "يابن القلفاء" فإن القلفاء تتطلع إلى الرجال أكثر ولهذا يوجد من الفواحش فى نساء التَتَر ونساء الإفرنج ما لا يوجد فى نساء المسلمين، وإذا حصلت المبالغة فى الختان ضعُفَت الشهوة فلا يكمُل مقصود الرجل، فإذا قُطع من غير مبالغة حصل المقصود باعتدال والله أعلم. انتهى " من فتاوى شيخ الإسلام".

- ومن قال بأن بنات النبى صلى الله عليه وسلم لم يُختَتَن.. فهذا دليلنا على غير قوله، قلت : فإذا كان الختان من شريعة إبراهيم عليه السلام حتى وصل إلى العرب اللذين لا يدينون بدين غير عاداتهم وعادات أجدادهم السابقين، وقد ورد لنا فيما سبق ذكره أنه كان فى المشاتمة بينهم "يابن القلفاء" وعلمنا معناها، فكيف بمحمد صلى الله عليه وسلم وهو من خير بيوت مكة وزوجته خديجة التى كانت أفضل قومها نسباً وثروةً وعقلاً ليرضوا أن يعاب بناتهم بما يُعاب به نسوة آخرون، وكيف بمن أقدره لغيره يمنعه عن بناته وهو القدوة -صلوات ربى وسلامه عليه– فعلى من يقول بغير ذلك أن يأتى بأدلته كما أتينا.

- وفى تحفة المودود بأحكام المولود قال الإمام ابن القيم الجوزية: "الختان اسم لفعل الخاتنة وهو مصدر كالنزال والقتال، ويسمى به موضع الختن أيضاً، ويسمى فى حق الأنثى خفضاً، ويقال: خَتنتُ الغلامَ ختناً وخُفضتُ الجارية خفضاً، فختان الرجل هو الحرف المستدير على أسفل الحشفة، وأما ختان المرأة فهو جلدة كعرف الديك فوق الفرج".

- وفى رسالة "الختان شريعة الرحمن" للشيخ أسامة بن سليمان قال:"وإليك أخى بعض أقوال الفقهاء والمحدثين المعاصرين ليتضح لك أن الذى يقول بعدم المشروعية شذ وتفرد، وشق عصا الطاعة وخالف الجماعة".

1- ذهب الأحناف إلى أن الختان للرجل سنة، وهو من الفطرة وللنساء مكرُمة.
مع ملاحظة أن مصطلح السنة لا يعنى الاستحباب ولكن يعنى فطرة ودين، فتاركه يأثم هذا مقصودهم.
2- ذهب المالكية فى فقههم إلى نفس حكم الأحناف.
3- أما الشافعية فالختان عندهم للذكور واجب وللإناث واجب.
4- وفى فقه الإمام أحمد بن حنبل أن الختان واجب للذكور وله روايتان فى ختان الإناث إحداهما أنه سنة والأخرى أنه واجب.
- وفى فتاوى دار الإفتاء المصرية سنة 1950 سُئل الشيخ علام نصار مفتى الديار آنذاك عن الختان فقال: إن ختان الإناس من شعائر الإسلام، لا يجوز لأهل بلد الاجتماع على خلافه، وإلا وجب على ولى الأمر أن يحاربهم وقد وردت فيه السنة النبوية واتفقت فيه لمة المسلمين وأئمتهم على مشروعيته مع اختلافهم فى كونه زاجباً أو سنة والحكمة فى مشروعيته ما فيه من تلطيف الميل الجنسى فى المرأة والاتجاه إلى الاعتدال الممدوح والمحمود.

- وفى مجلة اللواء الإسلامى الصادرة الخميس 24 جمادى الأولى سنة 1418 هجرية . 14 يناير لعام 1998م.
جائت الفتوى تحت إشراف الدكتور محمد سيد طنطاوى حينما كان مفتى للديار المصرية حينما كان السؤال عن ختان الإناث.. كان الجواب: أن ختان الإناث مشروع وأورد حديث الفطرة ثم ذكر أن الفقهاء اختلفوا فى حكمه وأنه يدور بين الوجوب والندب وخلاصة أقوالهم إن الختان فى حق الرجال والإناث مشروع.
- وما قد ورد فى شأن الختان من أحاديث متفق عليها لا ينبغى أن نحصرها فى الر جال دون النساء لأن الأصل بقاء العام على عمومه حتى يأتى ما يخصصه ولا تخصيص للذكور دون الإناث وهذا بجانب ما ثبت بالفعل فى حق الإناث.

· وقت الختان:

- ذكر الشيخ أسامة بن سليمان فى رسالته" الختان شريعة الرحمن" قول الفقهاء من مالكية وحنابلة وشافعية وأحناف ثم أورد قائلا: من كل ذلك يمكننا القول بأن الواجب ختان الذكر والأنثى قبل البلوغ وإن كان قبل ذلك فهو مستحب لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمرنا بأن نُعلم الأبناء الصلاة لسبع بالضرورة تتطلب الطهارة، والطهارة تقتضى الختان فعلى ذلك يكون ختان الذكر قبل بلوغه السابعة فإن كان فى الأيام الأولى من ولادته حتى اليوم السابع فهو أفضل، وأما الأنثى فأفضل سن لختانها هو سن ثمانى سنوات والأصل فى تحديد وقت ختان الأنثى نمو الأعضاء التناسلية حتى يُعرف هل تحتاج إلى ختان أم لا.. فهناك بعض البنات خُلقن لَسنَ لحاجة إلى إزالة أو قطع.

ومما سبق من أدلة من كتب السابقين وكتاب رب العالمين وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وقول الفقهاء القدماء منهم والمعاصرين .. فيه لنا القول الشافى والحكم الوافى لإنهاء هذه القضية ونسأل الله أن يلهمنا الصواب ويُنور لنا القلوب والأبصار .... وصلى الله على سيدنا محمد و آله وصحبه وسلم.

الثلاثاء، 13 أكتوبر 2009

برنامج لماذا أسلموا .... على قناة الرحمة الفضائية

مطالعة الآراء والمقترحات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوانا الفضلاء ... أخواتنا الفاضلات..
بخصوص برنامج/ لماذا أسلموا ... الذى يذاع على قناة الرحمة الفضائية كل أحد فى الثامنة مساءا ... نود أن نستطلع آرائكم ومقترحاتكم للرقى بالبرنامج على الوجه الأفضل..
لهذا رأينا أن نسأل عدة أسئلة ... نرجوا الإجابة عليها..
1- هل تشاهدون البرنامج؟
2- ما رأيكم فى البرنامج؟
3- ما الفائدة التى ترونها من استمرار البرنامج فى العرض؟
4- ما الحلقات أكثر تأثيراً على المشاهدين ؟
5- كم من الأخوة والأهل والأصحاب ... تعرفون أنهم يشاهدون البرنامج؟
6- ما السلبيات التى تجدونها فى البرنامج؟
7- ما المقترحات التى ترون أنها تكون سبباً فى رفع كفائة وفائدة البرنامج؟
أرجوا نشر الرابط والتعليق ... لعلنا نكون جميعاً سبباً فى الخير ... بارك الله فيكم.
نرجوا منكم تفضلاً أن تبدوا لنا

الأحد، 13 سبتمبر 2009

حجاب المرأة بين اليهودية والنصرانية والإسلام


حجاب المرأة.

لقد أثير فى الآونة الأخيرة قضية حجاب المرأة المسلمة على أنه حبس للمرأة، وعلامة من علامات الرجعية والتخلف، وأن الله لم يخلق المرأة لتتستر بل لتبدى وتظهر جمالها. وهذا الكلام ما أنزل الله به من سلطان، ولا أرى قائله إلا جاهلاً بما جاء فى الأديان الثلاث المنزلة، ولم يكن رأيه إلا دعوة لإشاعة العرى والسفور.. والذى نريد أن نبينه هنا؛ أن حجاب المرأة فى الإسلام لم يكن رمزاً من رموز الدين، بل هو واجب وفرض شرعى فرضه الله على نساء المسلمين كافة، تشريفاً لهن وعفافا لهن، وستراً لهن من أعين أصحاب الأغراض المختلفة، وإننا لنجد أن المرأة كلما تكشفت كان ذلك سبباً فى مضايقتها من الرجال عديمى المروءة والأخلاق. ولعلنا نبين فى السطور القادمة أن حجاب المرأة فى الإسلام؛ ليس إلا شرع شرعه الله فى أديانه المنزلة، وعرفه وعمل به أهل تلك الأديان، مذعنين لله بالخضوع التام فى كل ما أراد.

- حجاب المرأة فى التوراة:

ففي سفر التكوين عن (رفقة):{ أنها رفعت عينيها فرأت إسحاق، فنزلت عن الجمل وقالت للعبد: من هذا الرجل الماشي في الحقل للقائي، فقال العبد: هو سيدي، فأخذت البرقع وتغطت }. [65:24 سفر التكوين]
وفى هذه الآية يقول القس (وليم مارش): "كانت العروس فى الشرق تُزف على زوجها محجبة الجسد كله وكان برقعها حينئذ أحمر والبرقع العادى أى فى غير أيام الزفاف أزرق أو أبيض".(1)
وفي سفر أشعيا نجد أن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن. بأن ينزع عنهن: زينة الخلاخيل والضفائر والأهلة والحلق والأساور والبراقع والعصائب. { وقال الرب من اجل ان بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الاعناق وغامزات بعيونهنّ وخاطرات في مشيهنّ ويخشخشن بارجلهنّ .. يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهنّ .. ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والاهلة .. والحلق والاساور والبراقع .. والعصائب ....}
[ 16:3-20 إشعياء]

- حجاب المرأة فى الإنجيل:

جاء فى رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس: {وأما كل امرأة تصلي أو تتنبا و رأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها و المحلوقة شيء واحد بعينه... إذ المرأة إن كانت لا تتغطى فليقص شعرها و إن كان قبيحا بالمرأة أن تقص أو تحلق فلتتغط}. [5:11 رسالة بولس إلى كورنثوس] ... يقول الآب (أنطونيوس فكرى): "عدم تغطية المرأة لرأسها متشبهة بالرجال إعلان عن عدم اعتزازها بجنسها كامرأة"، ويقول فى حلق شعر المرأة: "إنه شئ غير مقبول... وإن كان هذا قبيحاً للمرأة (فالشعر الطويل هو جمال المرأة) فلتغط شعرها".(2)، ويقول: "شعر المرأة قد أعطى لها كغطاء طبيعى تغطى به رأسها، شعر المرأة هو جمالها لذلك يجب تغطيته حين تقف أمام الله".(3)

وفى رسالة بولس الرسول إلى أهل تيموثاس. جاء: { إن النساء يزين ذواتهن بلباس الحشمة مع ورع وتعقل لا بضفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن... بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة}. [9:2 رسالة بولس إلى تيموثاس]

يقول الآب (أنطونيوس فكرى): "كانت تغطية رأس المرأة عادة شرقية، علامة على خضوع المرأة لرجلها، ومع التحرر الذى نادت به المسيحية، وأن المرأة مثل الرجل فى الرب، ظنت السيدات أنهن تحررن من كل شئ، فخلعن غطاء الرأس، فثار الرجال وأرسلوا لبولس شكوى بخصوص هذا الموضوع. وهنا نجد الرسول يؤيد تغطية المرأة لرأسها... وهنا نجد أن غطاء الرأس عادة شرقية ولكننا نجد الرسول يؤيدها طالما لا تتعارض مع الإنجيل، وكان النساء الشريفات يغطين رؤوسهن فى ذلك الوقت".(4)

- حجاب المرأة فى الإسلام

إن كان غطاء الرأس والبرقع –ما يستر الرأس وما يستر الوجه– قد ذُكرا فى التوراة والإنجيل وأن الأمر ليس ببدعة ابتدعها الإسلام، ولكنه من وسائل صيانة المرأة التى شرعها الله على مر الزمان. فِلمَ تدور الدوائر ولا ننظر إلا إلى ما ذكره الإسلام عن حجاب المرأة، صيانة لعفتها، وحفظاً لها من شر الأشرار وستراً لجمالها من أن تكون سلعة رخيصة ينظرها القاصى والدانى.

إن المرأة فى الإسلام لهى جوهرة ثمينة أراد الله حمايتها وصيانتها من عبث العابثين وكيد الكائدين، فلذلك أمر الله المرأة فى القرآن بأن تحتجب عن أعين الرجال ولا تظهر زينتها إلا إلى محارمها –الممنوع لهم الزواج منها على التأبيد– من أب وأخ وعم وخال وجد وابن وزوج، لأن نظرتهم لها ليست كنظرة الغريب عنها الذى ربما يشتهيها أو يفتن بها.. فجاء قول الله تعالى فى هذا الشأن على النحو التالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}. [الأحزاب: 33]

وجاء قوله: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ}. [النور: 21]، وجاء قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ}. [ الأحزاب: 59]، وجاء قوله: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ}. [الأحزاب: 53]

فتلك هى شريعة الإسلام التى منعت الزنا فمنعت كل ما يفضى إليه من تبرج وسفور وكشف للعورات والزينات... وهكذا عرضنا كيف كانت معاملة الإسلام للمرأة، وكيف حافظ عليها وعلى ما لها من حقوق، وكيف كانت المعاملة لها معاملة سمحة ليس بها أى لون من ألوان الإساءة، بل رفع من شأنها ووضعها فى مكانة لم تحظى بها قبل مجيئه لا فى الشرق ولا فى الغرب، وكيف أن المرأة فى الغرب لم تحظى بما للمرأة المسلمة إلا فى زمن قريب، وإن كانت لم تحظى حتى الآن بكل ما للمرأة المسلمة من حقوق وواجبات.

الفهارس

1- السنن القويم فى تفسير أسفار العهد القديم/د.وليم مارش
2- تفسير العهد القديم/ انطونيوس فكرى
3- المرجع السابق
4- تفسير العهد القديم/ انطونيوس فكرى.