سماحة الإسلام مع المرأة
إذا تحدثنا عن المرأة فى الإسلام وما دار حولها من قضايا، نجد أنه لن يتحدث عن تلك القضايا خيرٌ من المرأة ذاتها، ولهذا آثرنا أن نترك المجال للمرأة لتتحدث عن نفسها، ولكى يكون الحديث خاليًا من التحيز للدين أو العِرق، فرأينا أن الأولى فى هذا الشأن أن يكون المتحدث لا ينتمى لا للدين ولا للعِرق، فالمتحدث هى (أنّا مارى شيمل)*. تلك الشخصية العالمية صاحبة الثقل والمكانة العلمية، والتى قضت عمرها فى دراسة الإسلام والدفاع عنه، وتدليلاً على ما تقوله شيمل؛ نأتى بنموذج آخر من النساء وهى الراهبة الكاثوليكية البريطانية (كارين أرمسترونج Karen Armstrong) والتى درست الأديان عن عمق، مما جعلها تُنَصِّب نفسها -أيضاً- مدافعة عن الإسلام ورسوله، ومصححة للصورة الخاطئة التى لدى الغرب عنهما.(1)
- المرأة والإسلام:
تقول (أنا مارى شيمل) فى هذا الصدد: "إن الفكرة السائدة فى الغرب بأن الإسلام يعادى المرأة فكرة خاطئة، بل إن فى الغرب مفكرين يقولون: إن المرأة فى الإسلام كائن بلا روح، ولكى نعرف كذب هذا الادعاء علينا إلى العودة إلى القرآن وسوف نرى أنه يسوِّى بين الذكر والأنثى، وبين المؤمنين والمؤمنات، ولم يفرق بينهم فى مجال الفرائض الدينية، وإذا قيل: إن المرأة نصف نصيب الرجل فى الميراث. فذلك لسبب عملى، فالمرأة حين تتزوج تحصل على مهر مناسب، والزوج هو المسئول شرعاً عن الإنفاق عليها، وهكذا تظهر العدالة فى توزيع الأعباء والمسئوليات وفى النهاية سنجد أن المرأة هى الرابحة.. وإننى أقول للغربيين الذين يشوهون صورة الإسلام: إن الإسلام منح المرأة حق الاحتفاظ باسمها، وبما تملكه من مال قبل زواجها، وبما تكسبه بعد الزواج، وهذا يتضمن حق المرأة فى أن تعمل وتكسب من أية مهنة أو تجارة، والمرأة فى أوروبا لم تتوصل إلى حق الاحتفاظ بما تملكه من مال بعد زواجها إلا منذ فترة قريبة.. وإننى كمؤرخة للأديان أقف بإعجاب عند الآية 187 من سورة البقرة والتى تحدد العلاقة بين الرجل والمرأة فى إطار الزواج: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ}.[البقرة: 187] ، واللباس يعنى الذات أو النفس الأخرى، وبذلك يكون معنى الآية أن الرجل والمرأة يكمل كل منهما الآخر، وأن كلا منهما هو النصف الأفضل للآخر، وأعتقد أنه يجب تسليط الضوء على هذه الآية عند الحديث عن مكانة المرأة فى الإسلام، لأن هذه الآية تؤكد المساواة بين الرجل والمرأة بما لا يدع مجالاً للشك.(2)
وتقول (كارين أرمسترونج): "لم تكن النساء قبل الإسلام تستطيع أن تمتلك شيئاً فى بلاد العرب، فكل الثروات لدى ذكور العائلة، إلا فى مكة حيث كان الناس مختلفين قليلاً عن بقية الجزيرة، فاستطاعت بعض النساء الحصول على المواريث والاحتفاظ بالثروات وإدارتها بالتجارة أو غير ذلك، وكانت خديجة مثالاً، وإن كان نادراً فى مكة، وليس له مثيل فى المدينة. سخر معظم الرجال من فكرة أن ترث المرأة أو تدير أموالها. ليس للنساء حقوق شخصية، كيف يكون لهن؟ وباستثناءات قليلة، لم يفعلن شيئًا لمصلحة الاقتصاد، ولم يشاركن فى الغزو، فهن لم يجلبن أى ثروات للمجتمع.. فتقليديّا كانت المرأة جزءاً من أملاك الرجل، وبعد وفاته: تئول زوجاته وبناته إلى وريثه الذكر، والذى عادة ما يبقيهن بدون زواج، حتى يتحكم فيما لديهن، ويغتنى على حساب فقرهن... أما فى الإسلام فقد كان القرآن يحاول إعطاء النساء حقوقاً لم تتمتع بها نساء الغرب إلا فى القرن التاسع عشر".(3)
وأما عن عزل المرأة المسلمة وتحريم مشاركتها للرجال فى المجالس فتقول أنا (مارى شيمل): إن ذلك ليس من الشريعة، ولكنه نتيجة تطورات اجتماعية وسياسية، ولن نجد آية فى القرآن تفرض على المرأة الانعزال عن المجتمع، أو إبعادها عن أنشطة الحياة، وما حدث من فرض العزلة على المرأة جاء نتيجة أفكار لا وجود لها فى القرآن، ونتيجة التفسير الشعبى الساذج للقرآن، والتفسير المتأثر بالأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية فى مجتمع من المجتمعات الإسلامية، ففى الهند مثلاً، وتحت تأثير الهندوسية لم يكن مسموحاً للأرملة المسلمة بأن تتزوج مرة أخرى، وهذه ليست من أحكام الإسلام ولكنها من التعاليم الهندوسية، ولذلك بدأ مسلمو الهند فى محاربة مثل هذه التأثيرات الغريبة عن الإسلام، وهكذا يجب أن ننظر إلى كثير من الأمور من منظور اجتماعى وتاريخى.(4)
وتقول (أرمسترونج): كان تحرير المرأة مشروعاً عزيزاً على قلب النبى محمد، وقد أعطت حياة محمد العائلية فرصة لزوجاته لدخول عالم السياسة ، وأحسسن بالألفة فى ذلك، ولم يمر وقت طويل حتى بدأت النساء الأخريات الإحساس بذواتهن وقدراتهن، مما اعتبره أعداء محمد أمراً معيباً تجدر مهاجمة محمد عليه.(5)
فإن كانت (أنا مارى) قد دافعت عن وجهة نظر الإسلام فى جعل نصيب المرأة من الميراث نصف نصيب الرجل، فلعنا نشرح الأمر بشيء من التفصيل:
لقد شرع الله للمرأة أن ترث ولم يكن ذاك مباحاً لها قبل الإسلام، وقد ورد فى ذلك أنه لما نزلت الفرائض التي فَرَضَ الله فيها ما فرض، للولد الذكر والأنثى والأبوين، كرهها الناس أو بعضهم وقالوا: تُعطَى المرأة الربع أو الثمن، وتعطى البنت النصف. ويعطى الغلام الصغير. وليس أحد من هؤلاء يقاتل القوم، ولا يحوز الغنيمة..، وهذا لأنهم كانوا قبل الإسلام لا يعطون الميراث إلا لمن قاتل القوم، ويعطونه الأكبر فالأكبر.
وقد نزلت آيات الفروض التى تحدد نصيب كل فرد من العائلة فى الميراث، ولتسوى بين الذكور والإناث فى الحق فى الميراث، بعدما كان الميراث عند أهل الجاهلية للذكور فقط، ولكن جعل الله للذكر مثل حظ الأنثيين؛ وذلك لاحتياج الرجل إلى مؤنة النفقة على الزوجة والأبناء وفى بعض الأحوال على الآباء، فهو المنوط به إعداد المسكن والمشرب والملبس وما لازم تكاليف الحياة لكل من يعول أمرهم، بجانب معاناة التجارة والتكسب وتجشُّم المشقة.
ولكن مع كل هذا لم يكن للمرأة نصف نصيب الرجل فى كل الأحوال، فقد اختلفت أحوال المرأة فى الميراث باختلاف المورَّث ذاته، وباختلاف الوارثين أيضاً ، فمثلاً:
- ترث المرأة نصف ما يرث الرجل إن كانوا إخوة والمورِّث هو أحد الأبوين: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}. [النساء: 11]
- ترث المرأة مثل نصيب الرجل إن كانوا أبوين وكان المورِّث له ولد فأكثر أو بنتان فأكثر: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ}. [النساء: 11]
- ترث المرأة أكثر من نصيب الرجل إن كانت هى الابنة الوحيدة للمورِّث وكان الرجل هو الجد: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}. [النساء: 11]، وهنا يبقى سدس يذهب للجد، فيكون للبنت ثلاثة أسداس وللجد سدسان وللجدة سدس.
وهكذا يختلف نصيب المرأة بالنسبة للرجل باختلاف أحوال الأسرة وعدد أفرادها وتكوينها، وليس الأنثى فى كل حال نصف نصيب الرجل، وباب المواريث باب كبير فى الفقه الإسلامى لا يستطيع أى شخص وإن كان من علماء المسلمين أن يدلى بدلوه فيه إلا إن كان دارساً له.
وهكذا يختلف نصيب المرأة بالنسبة للرجل باختلاف أحوال الأسرة وعدد أفرادها وتكوينها، وليس الأنثى فى كل حال نصف نصيب الرجل، وباب المواريث باب كبير فى الفقه الإسلامى لا يستطيع أى شخص وإن كان من علماء المسلمين أن يدلى بدلوه فيه إلا إن كان دارساً له.
- شبهة: تعدد الزوجات فى الإسلام.
لقد كان العرب يبيحون للرجل أن يجمع في عصمته من الزوجات ما شاء دون التقيد بعدد، وكان الذين جمعوا بين أكثر من أربع زوجات أكثر من أن ينالهم العدد (6)،. وجاء الإسلام ومنهم من له العشرة من النساء والأكثر، والأقل، فقصر ذلك على أربع إن علم أنه يستطيع الإنفاق عليهن، والعدل بينهن، فإن خاف عدم العدل فليكتف بواحدة، وما كانوا في الجاهلية يلتزمون العدل بين الزوجات، وكانوا يسيئون عشرتهن، ويهضمون حقوقهن حتى جاء الإسلام فأنصفهن، وأوصى بالإحسان إليهن في العشرة، وقرر لهن حقوقا ما كن يحلمن بها (7).
وتقول أنا (مارى شيمل) عن تعدد الزوجات فى الإسلام: "إن القرآن يعطى رخصة فى التعدد وذلك فى قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}. [النساء: 3]، وهو ما يجعلنا نجد أن التعدد ليس واجباً أو فرضاً ولكنه رخصة وهو مشروط بشرط العدل، ومجرد الخوف من عدم القدرة على تحقيق العدل يعنى عدم السماح بالتعدد، ومن الناحية العملية فإن وجود سيدات أرامل كثيرات فى الحروب سبب يجعل التعدد لصالح المرأة ولحمايتها، ويجب أن نعلم أن الرجل فى الجاهلية كان يحق له الزواج بعدد غير محدود من النساء، فجاء الإسلام وحدد العدد وجعل لهذا التعدد شرطاً لازماً وهو العدل، مما جعل رجال الإصلاح فى الفقه يقولون إن الزوجة الواحدة أفضل من الناحية الشرعية، لأن الرجل يصعب عليه أن يحقق العدل فى مشاعره بين زوجاته".(8)
وتقول (أرمسترونج): "لقد ترك المسلمون الذين ماتوا فى غزوة أُحد خلفهم زوجات وبنات بدون عائل، فنزل الوحى بعد الهزيمة يسمح للمسلمين باتخاذ أربع زوجات، وعلى المسلمين أن يتذكروا بأن الله خلق الناس من نفس واحدة، فكل من الذكر والأنثى متساويان أمام الله: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا}. [النساء: 3]، وكثيراً ما يتعرض تعدد الزوجات لنقد شديد، على أنه السبب فى معاناة نساء المسلمين، ولكن فى وقت نزول الآيات، كان يعتبر تقدماً اجتماعيّا، حيث جاء نظام تعدد الزوجات –طبقًا للقرآن– بمثابة قانون اجتماعى، ليس بغرض مكافئة الشهية الجنسية للرجال، ولكن لرفع الظلم عن الأرامل واليتامى، وبصفة عامة عن النساء اللاتى كن معرضات للظلم، فكما أن كثيراً ما يستحوذ بعض الأنانيين على كل شىء على حساب الضعفاء، كذلك كان كثير من النساء يتعرضن للاعتداء الجنسى ممن يُفترض أن يكونوا حماتهن من الوارثين الذكور، أو حتى يتحولن إلى أملاك تباع فى سوق العبيد، وكان (ابن أًبَى)(9) -على سبيل المثال- يجبر إماءه على الدعارة لحسابه، فرفض القرآن ذلك بحسم، وضمن للمرأة نصيبًا فى الميراث، فكان الهدف من تعدد الزوجات ضمان حماية المرأة بأن تتزوج بكرامة، وحدد التعدد المفتوح السابق للإسلام بأربع زوجات، مع وجوب معاملتهن بالعدل، ومع الامتناع عن سلبهن ممتلكاتهن".(10)
الفهارس
*- وهى من مواليد مدينة "إيرفورت" الالمانية عام 1922 (حاصلة على دكتوراه فى الإستشراق عن رسالة "القضاء الإسلامى فى مصر فى القرون الوسطى" فى أوائل الأربعينات ثم درجة الأستاذية "بروفيسور" فى منتصف الأربعينات ثم دكتوراه ثانية فى أوائل الخمسينات .. وعملت فى تدريس الشريعة الإسلامية فى جامعة أنقرة بتركيا، وجامعة هارفارد بالولايات المتحدة ثم احتلت كرسى الأستاذية فى قسم العلوم الإسلامية واللغات الشرقية بجامعة بون أعرق الجامعات الألمانية... وهى حاصلة على عشرات الأوسمة والجوائز العلمية من مختلف أنحاء العالم ، وقد أصبحت رئيساً للجمعية الدولية لعلم الأديان المقارن من سنة 1980 حتى سنة 1990،
1- المنصفون للإسلام فى الغرب.ص184 /أ. رجب البنا
2- (حوار صحفى بينها وبين د. ثابت عيد نشر فى (مجلة أكتوبر) فى عدد 10 مارس 1996 م.)
3- محمد نبى لزماننا / كارين أرمسترونج (طبعة مكتبة الشروق ص134،135 ترجمة: فاتن الزلبانى)
4- (مجلة أكتوبر) فى عدد 10 مارس 1996 م.)
5- محمد نبى لزماننا / كارين أرمسترونج -ص 136
6- السيرة النبوية للصلابى –نقلاً عن(دراسة تحليلية لشخصية الرسول محمد r ص24،25)
7- المرجع السابق.نقلاً عن(السيرة النبوية لأبي شهبة)
8- (مجلة أكتوبر) فى عدد 10 مارس 1996م.
9- عبد الله بن أبى بن سلول...رأس النفاق فى زمن النبى محمد.
10- محمد نبى لزماننا/كارين أرمسترونج-ص134
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق