الأحد، 21 يونيو 2009

بشارات الإنجيل برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.


- بشارات الإنجيل

البشارة الأولى:

- {فسألوه وقالوا له فما بالك تعمد إنْ كنت لست المسيح و لا إيليا ولا النبي}.1: 25 يوحنا

- يقول العلامة الدكتور (وليم إدى) عند شرحه لهذه الآية ما نصه: "يتضمن سؤال الفريسيين ليوحنا التسليم بأنه لو كان أحد أولئك الثلاثة الذين ذكروهم لحق له أن يعمد".(1)، وهذا يعنى أن اليهود كانوا منتظرين لثلاث نبوات علموها من كتابهم التوراة، فإن كان المسيح أحدهم ، فيبقى اثنان: إيليا والنبى. - فأما عن النبى فهو يوحنا المعمدان وذلك من خلال هذه الآية من التوراة: {هأنذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي و يأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه وملاك العهد الذي تسرون به هوذا يأتي قال رب الجنود}.1:3 ملاخى حيث تفسرها الآيات التالية من إنجيل مرقس إذ ورد فيها: {كما هو مكتوب في الأنبياء ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك... صوت صارخ في البرية أعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة... كان يوحنا يعمد في البرية و يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا.}2:1 -4 مرقس ، وهو ما يؤكده القمص (أنطونيوس) إذ يقول: "هأنذا أرسل ملاكي فيهيء الطريق أمامي=هو يوحنا المعمدان... ولذلك يجمع كل أحد أن يوحنا كان نبياً... وقد هيأ الطريق أمام المسيح بدعوة الناس إلى التوبة.. وبعد يوحنا يأتى المسيح مباشرة."(2) - أما عند شرح الآية التالية: {هأنذا أرسل اليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم و المخوف}4: 5 ملاخى فيقول القمص (انطونيوس فكرى) ما نصه: "هنا يتكلم عن يوم الدينونة حينما يأتى المسيح فى مجيئه الثانى.... ولكن لأن ملاخى قد أنهى نبوته بنبوتين، واحدة عن مجىء يوحنا المعمدان كسابق للمسيح فى مجيئه الأول ونبوة عن مجيء إيليا كسابق للمسيح فى مجيئه الثانى".(3) ومن خلال ما سبق نرى أن الثلاثة الذين ذكرهم الفريسيين، قد ظهر منهم اثنان: المسيح، والنبى يوحنا المعمدان (كسابق للمسيح فى مجيئه الأول)، وبقى واحد وهو ايليا (كسابق للمسيح فى مجيئه الثانى)، ولكن يبقى السؤال: من هو ومتى يأتى؟... والجواب هو: محمد الذى جاء بعد المسيح بما يقرب من ستة قرون، والذى قال مبلغاً عن ربه: {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ.. مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ}. الأنبياء: 1- 2

البشارة الثانية:

- {إن كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى. وأنا أطلب من الأب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد}.15:14- 16 يوحنا أما عن تلك النبوءة فيقول (موريس بوكاى) ما نصه: "إن نص إنجيل يوحنا يتحدث وحده عن مرشد آخر آت بعد المسيح، يطلِق عليه يوحنا باللغة اليونانية اسم parakletos وهى كلمة ترجمت فى اللغه الفرنسيه بكلمة paraklet، وفى الآية المذكورة أعلاه نص كلمات احدى الفقرات فى إنجيل يوحنا، وهى تتحدث صراحة عن هذا المعزى او الباراكليتوس parakletos، وذلك وفقا لما ورد فى الترجمة المسكونية من العهد الجديد... ما معنى باراكليت paraklet هذه؟... إن النص الحالى لإنجيل يوحنا يشرح معناها كما يلى: الباركليت paraklet هو الروح القدس الذى سيرسله الآب باسمى ليبلغكم كل شىء وسيجعلكم تتذكرون كل ما قلته لكم.26:14 يوحنا...{هو نفسه سيشهد لى}.26:15 يوحنا، {لكنى أقول لكم الحق إنه خير لكم أن أنطلق لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى ولكن إن ذهبت أرسله لكم ومتى جاء ذاك يُبكِّت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة}.12:16،14 يوحنا... ونجد فى إنجيل يوحنا أيضا: {إن لى أمورا كثيره أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تتحملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمورآتية ذاك يمجدنى...}.12:16،14 يوحنا، (ويلاحظ أن مجمل نص إنجيل يوحنا فى الأصحاحات 16،15،14 التى اقتبسنا منها هذه النصوص المتعلقة بالمعزى لاتغير من معنى النصوص التى اقتبسناها بأى حال من الأحوال).... وعندما نقرأ النصوص التى اقتبسناها من إنجيل يوحنا فيما يتعلق بشأن ذلك الباراكليتس parakletos وهى كلمة يونانية، نجد أن هذه الكلمة يستحيل أن يكون معناها هو "الروح القدس" كما يصر على ذلك كل مفسرى وعلماء الكتاب المقدس المسيحيين فى كل التعليقات والشروح التى يكتبونها فى كتب التعليم المسيحى، ومثال ذلك الشروح والتفسيرات التى يعطيها لنا الآب أ.(تريكو) تحت عنوان paraklet. إذ كتب يقول بالحرف الواحد ما نصه كما يلى: "إن لفظ باركليت paraklet المنقول من اللغة اليونانية إلى اللغة الفرنسية لم يستخدم فى العهد الجديد إطلاقا إلا فى إنجيل يوحنا، إن يوحنا يذكر فى الإنجيل المنسوب إليه هذه الكلمة أربع مرات عند سرده لخطبة المسيح التى وجهها إلى حوارييه بعد العشاء الأخير (16:14-26)، (26:15)، (7:16) وذكره مرة واحدة فى رسالته الأولى (1:2)، إن كلمة "الباراكليت" تعنى "الروح القدس"، أما فى رسالة يوحنا الأولى (1:2) فهى تعنى: "المسيح" ولقد كانت كلمة الباراكليت سائدة شائعة الاستخدام لدى اليهود الهلنستيين (الذين عاشوا فى الإسكندرية بعد عصر أفلاطون وأرسطو بوجه خاص)، كانوا يقصدون بها معنى: الوسيط أو المدافع أو المحامى. فالمسيح يعلن لتلامذته بعد العشاء الأخير مستخدما كلمة الباراكليت أن الروح القدس سيرسل الباراكليت أى الآب والابن فى دوره الإنقاذى الذى يؤديه أثناء حياته الفانية على الأرض وذلك لصالح حوارييه. إن الروح القدس سيتدخل ويعمل كبديل للمسيح As a substitute or Christ أو وسيط paraklet قادر على كل شىء "(انتهى ما يقوله "أ. تريكو" فى قاموس الكتاب المقدس عن الباراكليت).إن (أ. تريكو) بهذا التفسير إذن يحاول أن يجعل من الروح القدس "مرشدا أسمى Utimate Guide" للناس بعد اختفاء المسيح.(4) فهل يتفق هذا التفسير مع النصوص التى أوردها يوحنا فى المواضع المشار إليها؟ وكيف؟... لابد من مناقشة هذه المسألة مناقشة موضوعية: يبدو غريبا وشاذاً من حيث المبدأ أولا وقبل كل شىء أن يكون "الروح القدس" هو المقصود بقول يوحنا: {ولكن عندما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كله، لأنه لا يقول شيئاً من عنده، بل يخبركم بما يسمعه ويطلعكم على ما سوف يحدث}.13:16 يوحنا... فمن غير المعقول بداهة أن ينسب أحد إلى الروح القدس القدرة على أن "يتحدث ويتكلم" لا من تلقاء نفسه ولكن يتحدث "ويتكلم بكل ما قد سمع". إن هذه المسألة أوضح من أن تناقش. ومن المهم أن نرجع إلى الأصل اليونانى لنتمكن من فهم هذه المسألة لأن من المهم لنا فى هذا الصدد أن نتذكر أن يوحنا قد كتب أصول الإنجيل المنسوب إليه باللغة اليونانية وليس بأى لغة أخرى؟ والنص اليونانى الذى رجعت إليه فى تمحيص هذه المسألة هو النص الذى يطلق عليه "نوفوم تستا منتوم جريس Novum Testamentum Graece طبعة نستلى- ألاند Nestle&Aland (سنة 1971). (5) إن البحث الجاد والتمحيص الدقيق ينبغى أن يبدأ بحصر الصيغ المختلفة لنص معين إن كان لذلك النص صيغ مختلفة، وبالنسبة للنصوص المتعلقة بكلمة المعزى أو الباركليتوس parakletos فليس بها نص مختلف سوى الفقرة 26:14 من المخطوطة السريانية الشهيرة المعروفة باسم بالمبست palimpsest، و التى لا تشير إلى الروح فقط بل الروح القدس، فهل كان إغفال سائر النصوص الأخرى لوصف الروح بأنه الروح القدس مجرد سهو من النساخ أم أنه لم يجرؤ أحد منهم على إضافة كلمة القدس إلى كلمة الروح كوصف لها باعتبار أنها إضافة غير معقولة أو مقبولة إذ ليس من المعقول أن يسمع الروح القدس كما يسمع الناس أو أن يتكلم كما يتكلم الناس؟ وفيما عدا هذه الملاحظة ليست هنالك اختلافات فى النصوص المتعلقة بهذا الموضوع من إنجيل يوحنا. (6)

إن الدلالة المحددة لفعل "يسمع"، ولفعل "يتكلم" هى التى تحسم شأن هذه المسألة التى أثارها إنجيل يوحنا، فإن فعل يسمع هو فعل Entender فى الترجمة الفرنسية، ويقابله فعل Akouo فى اللغة اليونانية ومعناها هو القدرة على تمييز الأصوات على مقربة معينة من مصدرها. وقد تم اشتقاق كلمة Acoustique بالفرنسية وكلمة Acoustisc باللغة الإنجليزية من هذه الكلمة اليونانية، والمقصود هو علم الصوتيات.(7) أما فعل "يتكلم Parler" فى الترجمة الفرنسية فهو يقابل فعل Laleo باليونانية ومعناه إصدار أصوات وخصوصا الأصوات الخاصة بالكلام، ويتكرر استخدام هذا الفعل بهذا المعنى كثيرا فى النص اليونانى للإنجيل إشارة إلى كلام المسيح أثناء قيامه بالتبشير وإلقاء المواعظ. ويبدو واضحا فى موضوعنا أن الكلام إلى الناس المقصود لا يتمثل فى "إلهام" من عمل الروح القدس لأنه اتصال ذو طابع مادى آخر، واضح فيه استقبال لكلام وإصدار لكلام، كما يفيد ذلك اللفظ اليونانى المستخدم فى هذا الصدد. ومن البديهى أن نسبة هذين الفعلين وهما: فعل "يسمع" وفعل "يتكلم" إلى الروح القدس لا يتسق بأى حال مع المفهوم العام السائد للروح القدس.، إن نص هذه الفقرة من إنجيل يوحنا كما نطالعه فى المخطوطات اليونانية يكون غير مفهوم بالمرة لو نظرنا عليه باعتبار أنه يتعلق مع كلمة "الروح القدس" فى النص الموجود بالأصحاح (26:14)، إنها الجملة الوحيدة التى تربط بين الباراكليت والروح القدس. ولوحذفنا كلمة روح القدس من هذا النص باعتبار أن هاتين الكلمتين هما إضافة أدخلت على النص فى زمن لاحق نجد أن هذا النص يقدم دلالة شديدة الوضوح (عن نبى قادم بعد المسيح هو نبى الإسلام محمد. ويضاف إلى ذلك أنه يوجد تخبط آخر فى نص الرسالة الأولى ليوحنا إذ تستخدم نفس كلمة الباراكليت paraklet للإشارة إلى المسيح (كما لو كان يبشر بقدوم المسيح) باعتبار أنه الوسيط بين البشر وبين الله.(8) وعندما قال المسيح حسب إنجيل يوحنا: {إن كنتم تحبوننى فاحفظوا وصاياى وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر Another paraklet ليمكث معكم إلى الأبد}.15:14-16 يوحنا لم يكن المسيح يعنى بهذا التعبير الروح القدس، أو يعنى نفسه، بل كان يتحدث عن أن الله سيرسل إلى البشر "وسيطا آخر" كما كان المسيح وسيطا أو رسولا من الله إلى البشر أثناء حياة المسيح مع حوارييه على الأرض... إن ذلك يقودنا بكل المعقولية إلى أن نرى فى "الباراكليت paraklet " عند يوحنا "كائنا بشريا" مثل المسيح، يتمتع بامتلاك حاسة السمع والقدرة على تلقى كلام الله وحيا إلهيا كما يتمتع بملكة القدرة على الكلام لينقل كلام الله إلى الناس، وهما الحاستان اللتان تتضمنهما نصوص إنجيل يوحنا المشار إليها فى هذا الصدد بكل حسم ووضوح.(9)


إن المسيح يصرح بناء على ما سبق بيانه أن الله سيرسل كائنا بشريا يعيش على هذه الأرض ليقوم بأداء الدور الذى وصفه المسيح وأورده إنجيل يوحنا: يخبر الناس بكل شىء عن العقيدة الصحيحة والشريعة التامة ويبقى معهم إلى الأبد، وذلك ببقاء كلام الله متضمنا أسس العقيدة والشريعة بين البشر. إن يوحنا قد وصف دور "المعزى paraklet"باعتبار أنه "دور نبى" يسمع كلام الله ويكرره بأمانة لينقله إلى كل البشر. إن هذا هو التفسير المعقول لتلك النصوص التى أشرنا إليها فى إنجيل يوحنا عندما نعطى للكلمات معناها الحقيقى ولا نحاول صرفها إلى معان أخرى غير معقولة.... أما تفسير "المعزى" باعتبار أنه هو "الروح القدس" استنادا إلى وجود كلمة القدس بدلا من "روح الحق" الموجودة بكل النصوص ما عدا نصا واحدا أشرنا إليه باعتبار أنه هو النص الوحيد الذى يصف الروح بأنه روح القدس، فلا ريب فى أن كلمة "القدس" إنما هى كلمة أضيفت إلى النص ولم تكن فيه أصلا، وذلك عن قصد وتعمد لتعديل المعنى وتحويره وصرفه إلى معنى آخر غير معناه الصحيح المعقول. إن إضافة كلمة "القدس" بجوار كلمة "الروح" إنما هى إضافة متعمدة تهدف إلى تحويل المعنى الصحيح للنص وهو المعنى الذى يعلن عن مجىء نبى بعد المسيح، حتى لا يتصادم النص مع تعاليم الكنيسة المسيحية التى تجعل المسيح هو خاتم الأنبياء ولا نبى بعده.(10)

فصل:
بعد أن انتهى (موريس بوكاى) من عرضه لتلك النبوءة، بقى لنا تعليق على كلمة روح القدس والتى هى محل الخلاف، ولكن بعد عرض تلك الآيات من الإنجيل:

1- {أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم}.1:4 رسالة يوحنا الاولى
2- {نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا و من ليس من الله لا يسمع لنا من هذا نعرف روح الحق و روح الضلال}.6:4 رسالة يوحنا الاولى
3- {ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الأب روح الحق الذي من عند الأب ينبثق فهو يشهد}.26:15 يوحنا
4- {هأنذا أرسل إليكم إيليا النبي قبل مجيء يوم الرب اليوم العظيم و المخوف}.4: 5 ملاخى
5- {مازال عندى أمور كثيرة أقولها لكم، ولكنكم الآن تعجزون عن احتمالها.. ولكن عندما يأتيكم روح الحق يرشدكم إلى الحق كله، لأنه لا يقول شيئاً من عنده، بل يخبركم بما يسمعه ويطلعكم على ما سوف يحدث}.12:16- 13 يوحنا

- إن الناظر فى نصوص الآيتين 2،1 يتضح له دون أى مشقة أو تفكير، أن كلمة روح ، وكلمة روح الحق =كلمة النبى. - والناظر فى نص الآية 3 يجد أن : كلمة المعزى= روح الحق ... ومن ذلك نجد أن: روح الحق= المعزى= النبى. وإذا ربطنا نصوص الآيات 3،2،1 بنص الآية رقم 4 وبالرجوع إلى تفسيرها أعلاه، يتضح لنا دون أدنى شك، أن النبوءة المبشر بها ملاخى هى نفس النبوءة المبشر بها المسيح. وفى الآية الخامسة خلاصة ما سبق، حيث أن روح الحق المعزى النبى الآتى إلى العالم يخبر بالحق كله، ولا يقول شيئاً من عنده، ويطلع الناس على ما سوف يحدث .... وقد تم ذلك الوصف والنبوة فى نبى الإسلام محمد، وذلك من خلال إخباراته بالأحداث والاكتشافات التى حدثت فى عصرنا ولم تكن لتحدث فى زمانه، ولأنه أخبر عن نفسه وأخبر الله عنه فى القرآن، أنه لم يتكلم من عند نفسه بل مما أوحى له به الله. حيث قال الله عن محمد: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى.. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ ُوحَى}.
النجم: 3- 4

الفهارس:

1- الكنز الجليل فى تفسير الإنجيل/د. وليم إدى
2- تفسير الكتاب المقدس/ أنطونيوس فكرى
3- المرجع السابق
4- التوراة والإنجيل والقرآن/د. موريس بوكاى – ترجمة على الجوهرى.ص148
5- المرجع السابق
6- المرجع السابق.
7- المرجع السابق
8- المرجع السابق
9- المرجع السابق
10- المرجع السابق

بشارات التوراة برسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم.


بشارات التوراة

البشارة الأولى:

- {أقيم لهم نبيا من وسط إخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به}.
18:18 التثنية

فى هذا العدد يخبر الله موسى بأنه سيجعل من وسط إخوة بنى إسرائيل نبياً مثله فيكلم الناس بكل ما يوصيه به الله، أى أن هناك نبياً منتظراً وله أوصاف سبق ذكرها فى الآية. وهكذا فَهم المسيحيون وقالوا: "المسيح هو النبى المنتظر "وزادوا" بل هو رب الأنبياء".(1)
ولكن نجد أن البشارة بالنبى تخص محمد وليس المسيح، وحتى لا يكون الكلام من وحى الخيال، أو ادعاءًا كاذباً، أو إعمالاً للنص تبعاً للهوى، فعلينا دراسة النص وتطبيقه عملياً على كل من المسيح ومحمد عليهما الصلاة والسلام... ولنبدأ بالتطبيق:... لقد جاء فى النص أوصاف لهذا النبى المنتظر وهى:


1-من وسط إخوتهم.
2-مثلك.
3- اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما اوصيه به.

- أما عن الوصف الأول للنبى المنتظر (من وسط إخوتهم)، نجد أن هذا الوصف ينطبق على محمد ولا ينطبق على المسيح، حيث أن كلمة (إخوتهم) تعنى إخوة من؟ إخوة بنى إسرائيل. ومن هم إخوة بنى إسرائيل؟ بنو إسماعيل، وبرهان ذلك فى التوراة إذ قال الله عن إسماعيل: "وأمام جميع إخوته يسكن".21:16 التكوين، وجاء أيضاً: "و أوص الشعب قائلا أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير". 4:2 التثنية

فنفهم من الأعداد أن المراد من (إخوتهم) أبناء العمومة .. فإن أصر أحد وقال: إن المقصود بـ (إخوتهم) بنى إسرائيل. لكان لزاماً أن تأتى الصيغة: من وسطهم وليس من وسط إخوتهم.ونجد ذلك فى القرآن إذ قال الله مخاطباً العرب: {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}.الآية 164 آل عمران وجاء أيضاً: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ}.الآية 151 البقرة، وبما أن محمداً من بنى إسماعيل، وهم المعنيين فى الآية، نجد أن النبؤة المذكورة هى للنبى محمد، وسوف يأت الدليل على ذلك من التوراة ذاتها.

- وأما عن الوصف الثانى (مثلك)، نجد أنه ينطبق على محمد ولا ينطبق على المسيح،حيث أن كلمة (مثلك) تعنى مثل موسى. والسؤال: مَن مثل موسى، محمد أم المسيح؟

والجواب يحتاج إلى مقارنة بين موسى والمسيح ومحمد ليتضح أيهما أشبه بموسى.. وها هى أوجه المقارنة :

موسى :- ولد من أب وأم (بشريين) - هو نبى (طبقاً للعقيدة الإسلامية) - مات - يرقد فى قبره - مقبول فى بنى إسرائيل - دعا إلى توحيد الإله - عبد الله - صاحب معجزات - أتى بشريعة جديدة - رعى الأغنام - تزوج وأنجب

محمد :- ولد من أب وأم (بشريين) - هو نبى (طبقاً للعقيدة الإسلامية) - مات - يرقد فى قبره - مقبول لدى العرب - دعا إلى توحيد الإله - عبد الله - صاحب معجزات - أتى بشريعة جديدة - رعى الأغنام - تزوج وأنجب

المسيح :- ولد ا من أم دون أب (بشرى) - هو إله او ابن إله (طبقاً للعقيدة المسيحية) - صُلب المسيح (طبقاً للعقيدة المسيحية) - قام من قبره (طبقاً للعقيدة المسيحية) - إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله - دعا إلى عقيدة التثليث (طبقاً للعقيدة المسيحية) - الله و ابن الله (طبقاً للعقيدة المسيحية) - صاحب معجزات - لم يأتِ بشريعة جديدة - لم يرعَ الأغنام - لم يتزوج

وبعد تلك المقارنة نستدل بقول الأب (أنطونيوس فكرى). وهو يحاول إثبات أن النبى المنتظر فى هذه الآية هو المسيح، فيقول: "هذه الآيات هى أوضح ما قيل فى نبوات موسى عن المسيح".، وبعد أن قام بمقارنة بين موسى والمسيح يأتى قوله: "لكن يجب ألا ننسى أن موسى نبى أرسله الله أما المسيح فابن الله، وموسى كان له ضعفاته أما المسيح فلم يكن له خطية، وشفاعة المسيح دائمة أبداً وهى شفاعة كفارية أما شفاعة موسى هى شفاعة توسلية".(2) ،وذلك بالرغم أنه ذكر من أوجه الشبه بين موسى والمسيح أن: "موسى كان نبياً وكذلك المسيح"، فترى التناقض بين إثباته صفة النبوة لكليهما ثم نفيه لها فى المسيح!، وتراه أيضاً يرفض التشابه بينهما فى الخطية وفى الشفاعة!!.

ولعلنا لسنا فى حاجة إلى ما تم ذكره إذا أتينا بما أشرنا إليه سابقا، بنص التوراة ومن ذات السفر –سفر التثنية – لنفى تلك النبوة عن المسيح صراحة، حيث جاء: {ولم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى الذي عرفه الرب وجها لوجه}. فنحن إن فهمنا أن (من وسط إخوتهم) تعنى: من وسط بنى إسرائيل، فتلك الآية تنفى هذا الفَهم!!.

- وأما عن الوصف الثالث للنبى المنتظر وهو (اجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به)، فالوصف هنا مشترك بين المسيح ومحمد، ولما لا وقد كان كلاً منهما نبياً يُبّلغ ما أَوحَى إليه ربه، وقد جاء فى الإنجيل: {لأني لم أتكلم من نفسي لكن الأب الذي أرسلني هو أعطاني وصية ماذا أقول و بماذا أتكلم- و أنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية فما أتكلم أنا به فكما قال لي الأب هكذا أتكلم}.49:12-50 يوحنا، وفى المقابل جاء فى القرأن: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى .. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.النجم: 3- 4، وأيضاً حينما طلبوا من محمد أن يبدل من آيات القرآن ما يجعلهم يتبعوه، فقال الله لمحمد: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ.. قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ .. فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ }.يونس: 15- 17

ومن تتبع الآيات التالية من ذات الإصحاح، يجد أن فيها إشارات إلى محمد وما جاء به، فالآيات تقول: {و يكون أن الانسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به بأسمي أنا أطالبه... و أما النبي الذي يطغي فيتكلم باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسم ألهة أخرى فيموت ذلك النبي}. 19:18-20 التثنية

ونلاحظ أن الجملة (الذى يتكلم به باسمى) تثبُت فى حق محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كل سورة فى القرآن بدأت
بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) عدا سورة واحدة من إجمالى 114 سورة، وهى سورة التوبة وذلك لأنها كانت آخر ما نزل على النبى محمد من القرآن، وقد مات دون أن يتبين أصحابه منه: هل هى تكملة لسورة أخرى أم أنها سورة جديدة؟.
وعن وعيد الله لمن يتكلم من الأنبياء من قبل نفسه أو باسم آلهةً أخرى، فيقابله وعيد الله الشديد فى القرآن لذات الأمر، عند قول الله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ.. لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ.. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}.الحاقة: 44- 46
وجاء فى تفسير الآية لدى علماء المسلمين: "{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا} أي: لو تكلَّف محمد أن يقول علينا ما لم نقله، {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} أي: لأخذناه بالقوة والقدرة، {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ}: وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب، فإذا انقطع بطلت القوى: ومات صاحبه."(3)

البشارة الثانية:

- {وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه و أثمره و أكثره كثيرا جدا اثني عشر رئيسا يلد و أجعله أمة كبيرة}.20:17 التكوين
-{ وابن الجارية أيضا سأجعله أمة لأنه نسلك}.13:21 التكوين
- {قومي احملي الغلام و شدي يدك به لأني سأجعله أمة عظيمة}.18:21التكوين

فإذا كانت تلك الآيات من سفر التكوين؛ تخبر عن الله: أنه سيجعل من نسل إسماعيل أمة كبيرة عظيمة، فعلينا أن نعود بالتاريخ إلى زمن الإخبار بتلك النبوءات حتى يتسنى لنا معرفة مدى صحتها أم لا؟!.

قد جاء فى كتاب (الجواب) أن: "تاريخ البدء فى كتابة الكتاب المقدس يرجع إلى أكثر من 3500 سنة مضت حيث دُعى موسى ليكتب أول الأسفار المقدسة حوالى سنة 1512ق.م.".(4) ، وهذا التاريخ هو تاريخ تدوين الكتاب المقدس وليس تاريخ إخبار الله لإبراهيم وهاجر بتلك البشارة عن ابنهم إسماعيل ونسله، فلعله يزيد على هذا التاريخ بأكثر من 500 سنة هى عدد السنوات بين ولادة اسماعيل وتدوين موسى لأسفار الكتاب المقدس، فإن سار هذا التاريخ إلى أن يمضى بنا حتى بعثة النبى محمد ونُزول الوحى عليه وبدء تبليغه للدعوة المكلف بها من قبل الله، سنجد أن تلك النبوءة لم تكن لتتحقق إلا بمحمد رسول الله، فكم من السنين سبقت محمد حتى زمن إبراهيم، ولم يكن للعرب اسم ولا كيان ولا ذكر وسط الأمم.

وفى هذا المقام يقول العالِم الأمريكى (مايكل هارت) (5): "ولكن الرسول استطاع لأول مرة فى التاريخ، أن يوحد بينهم وأن يملأهم بالإيمان وأن يهديهم جميعاً بالدعوة إلى الإله الواحد، ولذلك استطاعت جيوش المسلمين الصغيرة المؤمنة أن تقوم بأعظم غزوات عرفتها البشرية فاتسعت الأرض تحت أقدام المسلمين من شمالى شبه الجزيرة العربية وشملت الإمبراطورية الفارسية على عهد الساسانيين وإلى الشمال الغربى واكتسحت بيزنطة والإمبراطورية الرومانية الشرقية... وكان العرب أقل بكثير جداً من كل هذه الدول التى غزوها وانتصروا عليها... ورغم ذلك فقد استطاع هؤلاء البدو المؤمنون بالله وكتابه ورسوله، أن يقيموا إمبراطورية واسعة ممتدة من حدود الهند حتى المحيط الأطلسى، وهى أعظم إمبراطورية أقيمت فى التاريخ حتى اليوم... وإذا استعرضنا التاريخ... فإننا نجد أحداثاً كثيرة من الممكن أن تقع دون أبطالها المعروفين.. مثلاً: كان من الممكن أن تستقل مستعمرات أمريكا الجنوبية عن إسبانيا دون أن يتزعم حركاتها الاستقلالية رجل مثل (سيمون بوليفار)..هذا ممكن جداً، على أن يجىء بعد ذلك أى إنسان ويقوم بنفس العمل... ولكن من المستحيل أن يقال ذلك عن البدو...وعن العرب عموماً وعن إمبراطوريتهم الواسعة، دون أن يكون هناك محمد.. وما كان من الممكن أن تتحقق كل هذه الانتصارات الباهرة بغير زعامته وهدايته وإيمان الجميع به".(6)

البشارة الثالثة:

- {فقال جاء الرب من سيناء و أشرق لهم من سعير و تلألأ من جبال فاران و أتى من ربوات القدس و عن يمينه نار شريعة لهم}.2:33 سفر التثنية
يقول الآب (أنطونيوس فكرى) فى تفسير هذه الآية: "جاء الرب من سيناء = يقصد بمجيئه تجلى مجده وظهوره الإلهى فى سيناء عند إعطاء الشريعة المقدسة لشعبه.. وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبال فاران= إن مجد الرب الذى تجلى على جبل سيناء بنار ورعود وبروق وأضواء لامعة وباهرة لم يقتصر ظهوره على جبل سيناء بل انعكست أضواؤه البهية على الجبال القريبة والبعيدة جبل سعير على الجانب الشرقى للعربة شمال شرق سيناء ومن رؤوس جبال سعير جبل هور... وجبل فاران هذا يقع فى جنوب فلسطين وكان يسكنها الإسماعيليين... ولاحظ التسلسل: سيناء حيث اسرائيل (أى نسل يعقوب).. ثم سعير حيث أدوم (أخو يعقوب).. ثم فاران حيث اسماعيل (عم يعقوب)."(7)

ولا خلاف فى أن الله تجلى لموسى عند جبل سيناء، وأيضا نجد أن ساعير= هو جبل في أرض يهوذا وجاء ذكره فى الكتاب المقدس على هذا النحو {وامتد التخم من بعلة غربا الى جبل سعير وعبر إلى جانب جبل يعاريم من الشمال هي كسالون ونزل الى بيت شمس وعبر الى تمنة}.15: 10 يشوع، وفى هذا إشارة إلى المسيح عليه السلام.

ونلاحظ أن الآب (أنطونيوس) أوضح لنا أن جبال فاران هى التى يسكنها الإسماعيليون، وهكذا ورد فى الكتاب المقدس مخبراً عن إسماعيل: {وسكن في برية فاران و أخذت له أمه زوجة من أرض مصر}.21:21 التكوين، والاختلاف فقط: أين تقع فاران هذه؟... فنجد أن اليهود والنصارى يذكورنها فى جنوب فلسطين عند إيلات، ولكنهم يعتبرونها جزء من شبه جزيرة سيناء، وفى هذا القول ما يعارضه فى الآتى:

1- أن الرب بذلك يكون قد مر بساعير فى فلسطين ,, قبل أن يمر بفاران!! فكيف هذا؟ والنص يقول أنه جاء
من سيناء ,, ثم أشرق من ساعير فى فلسطين ,, ثم تلألأ من فاران ,, ثلاثة أماكن مختلفة ومرتبة ترتيباً بحسب الوحى.

2- أنه جاء فى الكتاب المقدس ذِكر المكان الذى كان يقطنه الإسماعيليون: {وسكنوا من حويلة إلى شور التي أمام مصر حينما تجيء نحو آشور أمام جميع إخوته نزل}.18:25 التكوين وحويلة. حسب قاموس الكتاب المقدس هى: "مقاطعة في بلاد العرب, يسكن بعضها الكوشيون ويسكن البعض الآخر اليقطانيون.. والصلة بين حويلة وحضرموت وأماكن آخرى تشير إلى موقع في وسط البلاد العربية أو جنوبها".(8) ، وشور. أيضاً حسب قاموس الكتاب المقدس هى: "موضع في البرية جنوب فلسطين أو على الأخص جنوب بئر لحي رئي وشرق مصر".(9) فنجد أن الإسماعيليين حسب الآية المذكورة وحسب قاموس الكتاب المقدس: كان مسكنهم ما بين اليمن جنوباً وخليج العقبة شمالاً، وتلك المنطقة تسمى ببلاد الحجاز أو جبال الحجاز، وراجع خريطة شبه الجزيرة العربية.

3- أن برية فاران التى فى سيناء ذُكر فيها: ­ أن موسى وبنى إسرائيل عند خروجهم من مصر نزلوا بها: {وبعد ذلك ارتحل الشعب من حضيروت و نزلوا في برية فاران}16:12 العدد، وقد ورد فى قاموس الكتاب المقدس: {وفي هذه البرية تنقل بنو إسرائيل 38سنة}.(10)

­4- أن داوود قد أقام بها: {وقام داود و نزل إلى برية فاران}.1:25صمويل الاول

­5- أن (هدد الآدومى) خصم سليمان قد نزل بها: {وقاموا من مديان و أتوا إلى فاران و أخذوا معهم رجالا من فاران و أتوا إلى مصر}.18:11 سفر الملوك الاول

ومن تلك الآيات يظهر لنا أن فاران التى أقام بها اسماعيل ونسله ليست فاران الواقعة عند سيناء -وتجد ذلك فى قاموس الكتاب المقدس حين يذكر للكلمة الواحدة أكثر من معنى وأكثر من موضع-، وإلا فكيف يقطن بها الإسماعيليون ويحل عليها أجيال بنى إسرائيل من لدن موسى مروراً بداوود ثم سليمان وخصمه، ولم يكن هناك أى إشارة فى الكتاب المقدس من قريب أو بعيد إلى لقاء تم بينهم، أو إلى إقامة أقاموها سوياً، هذا بجانب أن الله
قال عن إسماعيل ونسله: وأمام جميع إخوته نزل.. ولم يقل: ومع جميع إخوته نزل. وبهذا يتضح من الآية وتفسيرها أن بها إشارات إلى مجد الله فى سيناء حيث موسى، وإشراقه فى ساعير حيث المسيح، وتلألأه وسطوعه فى فاران حيث إسماعيل وذريته، ولا يخفى على أحد أن محمد من نسل إسماعيل... ومثل هذه الآية ورد فى القرآن قول الله تعالى: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ.. وَطُورِ سِينِينَ.. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ}.التين: 1- 3... وتفسيرها عند علماء المسلمين: "هذه مَحَالٌّ ثلاثة، بعث الله في كل واحد منها نبيًا مرسلا من أولي العزم، فالأول: محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم. والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران. والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنا، وهو الذي أرسل فيه محمدا صلى الله عليه وسلم".(11)

البشارة الرابعة:


- {هو ذا عبدي الذي اعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم}42 :1 أشعياء
فى تلك الآية إشارة واضحة لنبى مرسل من قبل الله، ولكن السؤال يكمن فى: من هذا النبى؟
وسوف ندع الجواب للقمص (أنطونيوس فكرى)، حيث يقول: "هوذا عبدى= فالمسيح أخذ شكل العبد وغسل الأقدام، بل قبل الإهانة من عبد رئيس الكهنة الذى لطمه. مختارى= المسيح هو الوحيد الذى يستحق هذا اللقب فهو قد قدم الكمال للإنسانية فأشبع رغبة السماء فى كمال الإنسان".(12)
وبعد أن اطلعنا على شرح الآية من القمص، نرى أنه قد حمّلَها ما لم تكن تَطيق، إذ ادعى للمسيح أنه عبد الله المختار، وكلنا يعلم علم اليقين أن المسيح فى العقيدة النصرانية: إله أو ابن إله، ولم تأتِ آية واحدة فى الإنجيل بأكمله تذكر أو تشير إلى أن المسيح عبد الله ، وكيف يكون المسيح إله وعبد لله فى آنٍ واحد!، أما من جهة أنه المختار، فنرى أن المسيح إذ تمثل فى هيئة بشر كما فى العقيدة النصرانية، ما كان مختاراً من قبل أحد، ولكن إلها فى هيئة ناسوت، وقد جاء فى إنجيل لوقا: {فليخلص نفسه إن كان هو المسيح مختار الله}.35:23 لوقا، وفى هذا الموضع ينفى الشعب عن المسيح وصف المختار مستدلين على ذلك: بعدم استطاعته خلاص نفسه، وهنا فقط الإشارة الوحيدة فى الإنجيل لوصف المختار.

أما اذا طبقنا البشارة على النبى محمد فإننا سنجد أن محمد ذكر فى القرآن بصفة العبد فى كثير من الآيات، نذكر منها قول الله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}. البقرة: 23

أما عن أنه مختار الله فقد قال النبى محمد صلى الله عليه وسلم مخبراً عن نفسه: "إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِى هَاشِمٍ وَاصْطَفَانِى مِنْ بَنِى هَاشِمٍ".(13)

وأما عن روح الله، فجاء قول الله: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ... عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ..}.الشعراء: 193- 194 وقوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا}.النحل: 102

وعن الحق الذى سيخرجه للأمم، فقد ورد فى باب القرآن: كيف أن القرآن أتى ببراهين على أنه الحق من الله، واطلعنا على ما أقره علماء الغرب من غير المسلمين عن صحة نبوءات وإخبارات القرآن، مما دعا العديد منهم بأن يدخل فى الإسلام عن طواعية واقتناع تام.

- ولكى يتم التأكيد على أن النبى المشار إليه فى الآية هو النبى محمد، علينا أن نأتى بما جاء بعدها فى نفس الإصحاح، حيث جاء: {أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم}.6:42 أشعياء

فأما عن حفظ الله للنبى المرسل، فلم يكن المسيح محفوظاً من يد أعدائه، بل تمكنوا منه وصلبوه كما فى العقيدة النصرانية، ولكن اختلف الأمر بالنسبة لمحمد r، فقد حفظه الله من كيد أعدائه، ومنعه منهم طيلة حياته ولم يتوفاه الله حتى أتم ما أمره الله به فقال الله تعالى فى هذا الشأن: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.المائدة: 67... وتأتى إشارة الله إلى النور الآتى به هذا النبى فى قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}.الحديد:9 ... وقوله أيضا فى القرآن: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا.. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا}.الأحزاب: 45- 46

وإذا لاحظنا آيات القرآن نجدها لا تخُرج محمدًا عن وصف نبى لله وعبد لله، وهو ما جاء فى شارة أشعياء السابق ذكرها عن النبى المرسل، حيث أنها لم تأتِ بإشارة من قريب أو بعيد عن أنه ابن إله أو إله.

البشارة الخامسة:

-{ لترفع البرية و مدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا...ليعطوا الرب مجدا و يخبروا بتسبيحه في الجزائر...الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف و يصرخ و يقوى على اعدائه.}42 : 11- 13 اشعياء

ففى هذه الآية وفى لفظ قيدار بالأخص أقوى إشارة إلى أن النبى المبشر به هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم، حيث أن: "قيدار= اسم سامي معناه (قدير أو أسود) وهو ابن إسماعيل الثاني (تك 25: 13). وهو أب لأشهر قبائل العرب وتسمى بلادهم أيضاً قيدار".(14) وهى مكة، وإلا فلِمَ يأتى لفظ قيدار وديارهم هنا بالأخص وما مناسبة ذكره فى الآية، فضلاً عن كل شخصيات وأماكن الكتاب المقدس... هذا بجانب أن سَالِع أو سِلَع هو جبل بقرب المدينة المنورة و أيضا جبل فى بلاد الأردن، فأما عنه وعن سكانه وترنمهم وهتافهم، فلا ينطبق إلا على سَالِع أو سِلَع الواقع فى المدينة وذلك لأمران... أولهما: أن لا علاقة لسالع الأردن بقيدار وديارهم، بل الأولى سالع المدينة. ثانيهما: أنه لم يكن هتافاً ولا ترنماً بسالع الأردن، بل الترنم والهتاف يكون برفع الآذان والتكبير والتهليل فى الحج لدى المسلمين، وأيضاً لأن سَالِع أو سِلَع كان سبباً فى انتصار المسلمين على أعدائهم فى غزوة الأحزاب (الخندق) وقد اجتمعوا عدداً وعُدة لقطع شأفة المسلمين... وهذا ما جاء فى البشارة (الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف و يصرخ و يقوى على اعدائه).

هذا بجانب تلك البشارة الخاتمة، حيث جاء فى سفر أشعياء{ وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين... هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان ارض تيماء و افوا الهارب بخبزه}21: 13- 14 أشعياء.، وهذا إخبار بوحى يأتى من جهة بلاد العرب، وتيماء حسب قاموس الكتاب المقدس والتى تسقى العطشى_إشارة إلى سقاية الحجيج- هى: "قبيلة اسماعيلية تسلسلت من تيما فكانت تقطن بلاد العرب"(15).، والددان حسب القاموس ذاته: " وكانت دَدان التي تقع بقرب تيماء مركزاً للتجارة في الجزيرة العربية. واسمها الحديث (العُلا) في وادي القرى في شمال الحجاز".(16)

فلعله ليس من قبيل الصدفة -فى الكتاب المقدس- عند الإشارة إلى النبى القادم أن تكون الآيات المبشرة به تشير إلى إسماعيل وذريته!، فى أكثر من موضع وبأكثر من صورة، وهذا لم يكن افتراءاً على الآيات، ولكن حقيقة ظاهرة فى آيات البشارة السابق ذِكرها، فإن أتينا بالآيات إلى جانب بعضها مع اختلاف مواضعها وأزمنتها فى الكتاب المقدس، سوف يكون الأمر واضح وجلي... وحى من جهة بلاد العرب، ماء لملاقاة العطشان، تيماء، ددان، قيدار وديارهم، سالع وسكنهم، هتافهم وترنمهم، النصرة على الأعداء، جبال فاران!!!

الفهارس :
1- تفسير الآب/ أنطونيوس فكرى للكتاب المقدس
2-تفسير الكتاب المقدس للآب/أنطونيوس فكرى
3- زاد المسير/ابن الجوزى
4-الجواب/جمعية الخدمة المسيحية العملية.ص7
5- ...عالم فلكى رياضى، وباحث فى التاريخ، يعمل فى هيئة الفضاء الأمريكية.
6- كتاب الخالدون مائة أعظمهم (محمد رسول الله) /ترجمة أنيس منصور.ص15،16،18عن كتاب (المائة: تقويم لأعظم الناس أثراً فى التاريخ/ مايكل هارت).
7- تفسير الكتاب المقدس للآب/أنطونيوس فكرى
9- المرجع السابق.
10- المرجع السابق.
11- تفسير بن كثير.
12- تفسير الكتاب المقدس/ أنطونيوس فكرى.
13- صحيح مسلم.
14- http://www.albishara.org/
15- المرجع السابق.
16- المرجع السابق.




الخميس، 18 يونيو 2009

كليبات أهم مما فات!!

هل تذكرت الموت؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم .... والحمد لله رب العالمين
والصلاة والسلام على خاتم المرسلين.
هذه مشاهد لتلك اللحظة الحاسمة... لحظة الموت ...فهل تذكرت الموت؟؟
ألم يقل الله تعالى فى القرآن : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }.العنكبوت.57
وقال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ }. الجاثية 15
ألم يقل المسيح عليه السلام: ( اسهروا اذا وتضرعوا في كل حين لكي تحسبوا اهلا للنجاة).لوقا 21: 36
وقال أيضاً: ( اصحوا واسهروا لان ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسا من يبتلعه هو).
بطرس الأولى 5: 8
فهل؟؟؟
هل أنت على خير؟ ... وهل سيختم الله لك بالخير؟
هل أطعت الله؟ أم عصيت الله؟
هل علمت أن اليوم عمل ولا حساب....وغداً حساب ولا عمل؟
هل اتقيت الله فى قولك وفعلك؟
هل حاسبت نفسك قبل أن تحاسب؟
هل بحثت عن الحق ... أم جادلت بدون وجه حق؟
هل نظرت واعتبرت بما كان للأولين من عقاب وعذاب؟
هل أنت من أهل الجنة أم أنك من أهل النار؟
أرجو منك أن تسأل كل تلك الأسئلة لنفسك بعدما تشاهد تلك المشاهد..
ثم اسأل نفسك : متى تتوبين يا نفس؟؟؟؟؟
ألم يخلقك الله للطاعة فلماذا تعصين يا نفس؟؟
اسمع ماذا قال الله : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }.البقرة 62
ولكن اعلم أنه لا إيمان إلا بالإيمان بالكتب الثلاث وبالرسل أجمعين .... فمن آمن بالله فعليه أن يؤمن بما أنزل الله كله وليس بعضه .. وقد جعل الله مع كل نبى وفى كل كتاب دلائل أنه من عند الله ...فهل فتشت الكتب؟؟
فانظر ماذا قال الله: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }. الحج 17
فلا يسعنى فى النهاية إلا أن أذكر لكم قول الله تعالى : { وَاتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }.البقرة281
أسأل الله أن يغفر لنا ولكم وأن يهدينا وإياكم ويردنا إلى الحق.


الأربعاء، 17 يونيو 2009

الأدلة على أن القرآن هو كلام الله


القرآن كلام الله


القرآن هو كتاب الله الذى أنزله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الشتات إلى الاستقرار، ولقد ثبت بالأدلة القاطعة بما لا يدعو مجالاً للشك أن القرآن ليس من كلام بشر، ومن ثَم فهو من كلام الله الخالق... لقد جاء القرآن مخاطباً العقول متحدياً الصعاب رادًّا على المتشككين بما يدحض شُبُهَاتهم، ومتحديًّا لمنكريه بأشد أنواع التحدى، ومُبرهن على صحته وصحة ما ورد فيه لأهل كل زمان ومكان، وقد تعددت صور التحدى فى القرآن، فمنها ما كان فى حدود القول، ومنها ما تعدى للفعل، وحتى يكون الكلام فى محله فها نحن نعرض بعض ما جاء به من براهين وما يحمله من صور التحدى، ثم نقف على مفهومها ودلائل صحتها.

- صور التحدى القولية:


لقد جاء فى القرآن العديد من الآيات الدالة على إثبات صحته، و نفى الشك عنه... ومنها ما يلى:
- قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.يونس: 37
وفى تلك الآية يخاطب الله من ادَّعى أن القرآن من لدُن بشر، فيبدؤها بصيغة النفى مع استخدام الفعل فى الزمن الماضى والفعل فى زمن المستقبل ليثبت استحالة افتراء محمد للقرآن، ثم يستدرك بتصديق القرآن لما قبله من الكتب (التوراة والإنجيل) حين قال: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}.، ويؤكد تارة أخرى على أنه لا شك ولا ريب فى نزوله من رب العالمين.. ونلاحظ هنا أن النفى جاء أولاً: لدفع شبهة افتراء محمد -صلى الله عليه وسلم- للقرآن، ثم جاء ثانياً: لدفع شبهة أنه ليس من رب العالمين مستخدماً صيغة التوكيد المحذوفة.

- وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.هود: 13
وهنا يبين الله إعجاز القرآن.. بالتحدى الصريح لمكذبى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، والمدَّعين عليه بأنه أتى به من قِبل نفسه ونسبهُ لله، قائلاً جل وعلا ما معناه: إن كان محمد افتراه من عنده وهو 144 سورة، فأتوا أنتم بعشر سور فقط، ومن العجيب أن يطلب منهم أن يفتروا تلك العشر ولم يٍُعَجِّزهم بأن يأتوا بها من قبل خالقهم أو من يتعبدون له، بل ويترك لهم الحرية فى دعوة من استطاعوا ليتحالف معهم على الإتيان بتلك العشر من السور.

- وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.السجدة 2 ،الريب: يعنى قلق النفس واضطرابها= الشك.

فبعد أن نفى الله فى الآيتين السابقتين افتراء محمد -صلى الله عليه وسلم- للقرآن وتحدى العرب بأن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، جاء هنا ليتحول من صيغة النفى إلى صيغة الإثبات، فيثبت أن هذا القرآن منزل من الله يقينا ولا شك فى ذلك.
- وقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. البقرة 2

وتأتى الآية لتؤكد ما جاء فى سابقتها، فقرّر بذلك كون أن القرآن كلام الله يقيناً لا يحوم الشك حوله، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم زاد الله قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ليبين سبب نزول القرآن وهو الهداية لمن أرادها من البشر وهم الذين يحذرون غضب الله عليهم فيأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.

- وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.البقرة 22
ولما عجز المكذبون والمتشككون عن الإتيان بعشر من السور، جاء التحدى الأشد والإعجاز الأعظم وهو دعوتهم إلى أن يأتوا بسورة واحدة فقط من مثل ما جاء به محمد r من عند ربه، والأهم هنا أن القرآن نزل باللغة العربية وهى لغة القوم الذين نزل فيهم، وهم أعرف الناس باللغة من حيث النظم والبلاغة والشعر والنثر وعدم اللحن، وهذا مما يرفع من شأن التحدى ذاته ومن قوته.

- وقول الله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.البقرة 24

وهذه الآية تلحق سابقتها من نفس السورة ليزداد الإعجاز إعجازا حيث أن الله أغلق أمام المشككين كل محاولات الإتيان بمثل القرآن، أو بعشر سور من مثله، أو حتى بسورة واحدة فقط، وذلك بقوله:{ولن تفعلوا}.، ثم حذرهم مما ينتظر الكافرين من عذاب النار.

فهكذا جائت آيات القرآن تنفى أنه من عند غير الله، فرأينا كيف بدأ الله الخطاب فى الآية الأولى: بنفى افتراء محمد -صلى الله عليه وسلم- للقرآن، ثم فى الثانية: بالتحدى لمن يأتى بعشر سور من مثله، ثم فى الثالثة والرابعة: بإثبات نزوله من قِبَل الله، ثم فى الخامسة: بتأكيد التحدى لمن يستطيع أن يأتى ولو بسورة واحدة من مثل ما جاء فى القرآن، وجاء فى السادسة: ليُنْهِي التحدى ، بالتأكيد على عدم استطاعة المكذبين ولو كانوا من أهل اللغة والبلاغة بأن يأتوا بتلك السورة..

- صور التحدى الفعلية:




تتمثل تلك الصور من التحدى فى إخبار القرآن بالكثير من العلم الغيبى الذى لم يكن يعلمه أحد، مثبتاً بذلك؛ التحدى القولى الذى سقناه أعلاه، وتكمن تلك الصور فى مفهوم هذه الآية. حيث قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.فصلت 53
فتأتى الآية بوعد الله سبحانه أن يكشف للناس باستمرار عن آياته -معجزاته- في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، ويُذهب ما في قلوبهم من ريب وشك.. ولقد أنزل الله سبحانه هذا الوعد المجيد، قبل أن يُفِكر الإنسان فى غزو الآفاق أو التعرف على أسرار نفسه، حتى إذا رأى الإنسان آيات الله فى الكون، ثم عرفها فى كتاب الله؛ يعلم أن الذى أنزل القرآن المجيد هو الله الخالق لهذا الوجود.

ومن هنا يتبين لنا أن صور التحدي في القرآن ليست للعرب وحدهم، وليست فى اللغة وحدها... بل هي للعالم أجمع.. وفى شتى العلوم.. وفى وجوه متعددة.

فقد كانت هناك معجزات للقرآن.. وقت نزوله.. وبعد نزوله.. وهي مستمرة حتى يومنا هذا.. ولعلها تظهر واحدة تلو الأخرى مع التقدم العلمى فى شتى المجالات، لأننا لم نستطع فَهم بعض آيات القرآن فى الزمن الماضى إلا من خلال الاكتشافات العلمية الحديثة.

ومن منطلق الآية السابقة يقول الدكتور (لخضر شايب) (1): "إن أيسر وجوه إعجاز القرآن الكريم تكمن فى بشاراته وإخباره بالحوادث المستقبلية، إضافة إلى دلالة هذا الوجه على قناعة النبى -صلى الله عليه وسلم- التامة بربانية الوحى".، ويضيف: "وتعود السهولة إلى قدرة كل أحد على معرفة ذلك، إذ كان يكفى كل كافر أن ينتظر حدوث الأمر الذى أخبر عنه القرآن ليعرف مدى صدقه أو كذبه. أما دلالة هذا الوجه على إيمان النبى -صلى الله عليه وسلم- بالمصدر الإلهى للوحى، فلأنه ما كان ليُجازف بالنص على هذه التحديات الحدثية والزمانية التى وردت فى القرآن لو لم يكن على يقين من صدقه، إذ إن بإمكانها تبيين كذبه ببساطة تامة فى حالة عدم وقوعها" (2).، وقد أشار (د.شايب). فى قوله؛ إلى أيسر وجوه الإعجاز. وهو: الإخبار بالحوادث المستقبلية، ومن هذا الكلام يتضح لنا أن الإعجاز القرآنى لم يقف عند الإخبار بالمستقبل بل تعدى إلى وجوه أخرى ومنها تحدثه عن حقائق علمية لم تظهر إلا فى القرن العشرين.

ولأن التحدى للقرآن جاء بصيغة سوف {سَنُرِيهِمْ} أى أن التحدى ليس لفترة نزوله فقط بل حتى نهاية العالم، فما انطبق على العرب المعاصرين لزمن النبوة ينطبق على البشر الذين يعيشون بيننا اليوم، إذ بإمكان كل أحد أن يستوثق من هذه المعجزة بمجرد النظر فى أسلوب القرآن الكريم، وتوالى الحوادث التاريخية التى تحدث عنها، واكتشاف الحقائق العلمية التى أخبر بها.


ومن أوجه الإعجاز فى القرآن:

- قول الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}.الأنعام 125
وجه الإعجاز فى الآية هو: لماذا {ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}؟.. فما الذى يجعل الصدر ضيقاً حرجاً عند تصعُّده فى السماء؟ والجواب:


هو ما اكتشفه العلم الحديث؛ من انخفاض ضغط الهواء ونسبته كلما ارتفعنا عن سطح الأرض، وأن من يَصَّعَّدْ فى السماء يضيق تنفسه، وتضغط عضلة الحجاب الحاجز -الموجودة بين البطن والصدر- على الرئتين فتنقبضان بشدة، وهنا يضيق صدر الإنسان، من أجل ذلك كان من الضرورى عمل ملابس خاصة بالفضاء.!! (3)
وقد تقدم الدكتور (صلاح الدين المغربى) (4) ببحث عن حالة الصدر فى طبقات الجو العليا، فقال: "لنا حويصلات هوائية، والأوكسجين إذا دخل الرئتين ينفخ هذه الحويصلات الهوائية فتراها منتفخة، لكن إذا صعدنا إلى طبقات الجو العليا ينقص الهواء، وينقص الأوكسجين فيقل ضغطه، فتنكمش هذه الحويصلات، فإذا انكمشت ضاق الصدر، ويتحرج النَفَسْ ويَصعُب".(5)


وفى تفسير الآية يقول الإمام (ابن جرير الطبرى): "وهذا مَثلٌ من الله تعالى ذكره وضَرَبَهُ لقلب هذا الكافر في شدة تضييق الله له عن وصول الإيمان إليه، مثل امتناعه من الصُّعود إلى السماء وعجزه عنه، لأن ذلك ليس في وسعه". (6)
- وقول الله I: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.. وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ..}.الروم 2-6

فى الآيات السابقة وجهين من وجوه الإعجاز:


الأول: إعجاز فى المكان... حين قال الله: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ..}.

فيقول الدكتور (زغلول النجار) (7): "إن أخفض اليابسة على الإطلاق هى منطقة أغوار وادى عربة –البحر الميت– فى الأردن، وهذه المنطقة كانت مُحتلة من قبل الروم البيزنطيين فى عصر بعثة رسول الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكانت هذه الإمبراطورية الرومانية يقابلها ويَحُدها من الشرق الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وكان الصراع بين هاتين الإمبراطوريتين الكبيرتين فى هذا الزمن على أشُدِّه، ولابد أن كثيراً من معاركهما الحاسمة قد وقعت فى أرض الأغوار، وهى أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق كما ذكرنا سابقاً، ووصْف القرآن لأرض تلك المعركة الفاصلة التى َتغَلََّب فيها الفُرس على الروم –فى أول الأمر بأدنى الأرض– وصْفٌ معجز للغاية، فهذه الإشارة القرآنية العابرة؛ من السبق العلمى فى كتاب الله، لأن أحداً لم يكن يعلم هذه الحقيقة فى زمن نزول الوحى بالقرآن، ولا لقرون متطاولة من بعده.(8)

الثانى: إعجاز فى الزمان... حين قال الله: {سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ..}.

فبعد أن غلبت فارس الروم فرح بذلك كفار مكة وقالوا: الذين ليس لهم كتاب –الفُرس- غلبوا الذين لهم كتاب –الروم-، وافتخروا على المسلمين وقالوا: نحن أيضاً نغلبكم كما غلبت فارس الروم، وكان المسلمين يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب.
فجاءت تلك الآيات لرفع معنويات المسلمين وإظهارهم على المشركين من العرب، حيث أخبرهم الله أن الكَرَّة ستعود على الفرس وتغلبهم الروم فى خلال بضع سنين، وينبغى أن نشير إلى أن كلمة بضع فى اللغة العربية: هى العدد بين 3-9.
وقد جاء فى كتب الحديث؛ عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: "لما نزلت: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ}.كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.، وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ}. قال ناس من قريش لأبي بكر فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال بلى -وذلك قبل تحريم الرهان-، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال: في بضع سنين قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير".(9)

ثم ينهى الله تلك الآيات المعجزات بقوله I: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ...}. فكان فى تلك الآيات الثلاث إعجاز فى المكان والزمان.(10)

وبعد أن جئنا بعدة أوجه من الإعجاز القرآنى فى الآفاق، حيث السماء والأرض والزمان والمكان، رأينا أن ننتقل إلى الشق الآخر من الآية:{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.فصلت 53 - وهو: {وَفِي أَنْفُسِهِمْ..}.

- وذلك فى قول الله I:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.الحج 5، وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ.. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. المؤمنون 13-14
حيث إعجاز القرآن فى إخباره بمراحل تطور الجنين فى الرحم، ويتحدث الدكتور (موريس بوكاى) (11) عن هذا التطور فيقول: "يتفق تطور الجنين فى الرحم كما يصفه القرآن الكريم تمام الاتفاق مع ما يقرره العلم الحديث فى هذا الصدد، ولا يحتوى وصْفُ القرآن لمراحل تَطوُّرَ الجنين على أى مقولة يستطيع العلم الحديث أن يعارضها أو ينقدها أو ينقضها من حيث تحديد هذه المراحل أو تتابعها... تنزل البويضة المخصبة لتعشش فى تجويف الرحم، ويسمى القرآن الرحم الذى تعشش فيه البويضة بعد إخصابها بالمكان المكين فى بعض الأحيان: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}، ويُستخدم تعبير الرحم والأرحام فى أحيان أخرى، وذلك كما فى قول الله: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. ويتحقق استقرار البويضة بالرحم بواسطة امتدادات حقيقية تشبه عملية استقرار البذور فى الأرض، وتنهل البويضة من جدار الرحم كل ما يلزم لنمو الجنين.


ولم يتم الكشف عن هذه الامتدادات فى البويضة مما تجعلها تلتصق وتعشش فى جدار الرحم إلا فى العصر الحديث، ولقد أشار القرآن الكريم خمس مرات إلى هذا التعلق الذى يتمثل فيه بدء عملية التناسل كما هو الشأن فى آيتين من سورة العلق، وذلك فى قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}.العلق 1-2، وكلمة "العلق" تعنى: "الشيء يعلق بشيء آخر أو يتشبث به" وتجلط الدم يشبه العلوق ولذلك وجدنا المفسرين ينساقون إلى اعتبار وجود الجنين كجلطة دم هو بداية النسل، ومن الخطأ أيضاً اعتبار أن العلق هو مجرد التصاق شيء بآخر، إن للعلق فى عملية التناسل معنى أكثر من معنى مجرد الملاصقة، إنه ملاصقة ذات تغلغل لشيء فى شيء مع وجود حيوية... ويطلعنا القرآن الكريم على أن الجنين بعد مرحلة العلوق أو التشبُّث التى سبق أن أشرنا إليها، وهى مرحلة حقيقية فى ضوء معلومات العلم الحديث يمر بها الجنين، وينتقل إلى مرحلة أخرى هى مرحلة التكوين "المضغة"، ويكون فيه الجنين قوامه "كقوام اللحم الممضوغ flesh chewed" ثم يتكون داخل اللحم الممضوغ أو"المضغة" النسيج العظمى -أكثر صلابة من لحم المضغة وأكثر ليونة من العظام المكتملة النمو-، ويعبر عن ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.المؤمنون 13-14، فإذا كانت "المضغة" تشبه اللحم الممضوغ نجد أن "اللحم" المشار إليه هنا يشبه اللحم "غير الممضوغ" أى اللحم الذى لم يمضغ ولم يطبخ، وله قوام آخر غير قوام المضغة، وهذا التمييز بين هذين النوعين من اللحم فى أول مراحل تكوين الجنين يستحق الالتفات.

تؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن الجنين فى المرحلة الأولى من مراحل تطوره يكون عبارة عن كتلة صغيرة من اللحم يمكن رؤيتها بالعين المجرد مثل قطعة من اللحم الممضوغ، ويتكون الهيكل العظمى فى هذه الكتلة من اللحم الممضوغ، ثم تتشكل العظام، ثم تتغطى العظام بالعضلات التى تكسو العظام بطبقة من اللحم.

ومن المعروف أن بعض أجزاء جسم الجنين تتغير وأن بعضها الآخر يظل ثابتاً لا يتغير، وهذا هو المقصود بتعبير {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} الموجود بالآية الخامسة من سورة الحج، أى أنه يكون فى هذه المضغة صفات تظل موجودة فى خلقة الجنين مستمرة فى مراحل نموه التالية وصفات أخرى تزول وتتلاشى بعد أداء وظيفتها فى نمو الجنين.

ويذكر لنا القرآن أيضاً ظهور الحواس والأحشاء، وذلك فى مثل قوله تعالى :{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}.السجدة 9 ، كما يشير القرآن الكريم إلى تحديد جنس الجنين بين الذكورة والأنوثة فى مثل قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى.. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}.النجم 45-46


وتشير الآية الحادية عشرة من سورة فاطر، وكذلك الآية التاسعة والثلاثون من سورة القيامة إلى أن الله يخلق الذكورة والأنوثة فى الأجنة.
وعند مقارنة هذه الحقائق القرآنية مع حقائق العلوم الحديثة. تتوافق وتتسق حقائق القرآن مع حقائق العلوم الحديثة، ولكن الاعتبار الأكثر أهمية هو ضرورة أن نأخذ فى اعتبارنا المعلومات التى كانت سائدة قبل وأثناء عصر نزول القرآن وربما بعده بقرون كثيرة وكيف أنه لم تتسلل أى معلومات خاطئة من تلك المعلومات الخاطئة الكثيرة التى كانت شائعة فى عصر نزول القرآن إلى آية واحدة من آياته، سواء فى هذا المبحث من مباحث العلوم المختلفة أو ذاك.

إن المعاصرون لنزول القرآن لم يكونوا يمتلكون معرفة كثير من الحقائق العلمية التى أشارت إليها آياته فى مثل هذه الموضوعات العلمية، وليس هناك أدنى شك فى أن المعاصرين لزمن تنزيله من أوائل المفسرين لم يكونوا يستطيعون تفسير الوحى الإلهى المتعلق بهذه الموضوعات العلمية كما تيسر لنا ذلك بفضل الحقائق العلمية التى أصبحت متاحة ومعروفة لنا فى العصر الحديث الذى نعيش فيه، وهى مزيةلم تتحققَ إلى حد كبيرَ إلا بدءاً من القرن التاسع عشر.

وطيلة القرون الوسطى كانت الخرافات والأفكار الأسطورية التى لا تقوم على أى أساس علمى هى التى تسود مختلف المعتقدات فى هذه الموضوعات التى تعتبر موضوعات علمية، بل لقد ظلت هذه الخرافات والأفكار الأسطورية سائدة بين الناس طوال قرون عديدة بعد العصور الوسطى.

إن المرحلة الحاسمة فى تطور وتقدم علم الأجنة بدأت على يد "هارفى Harvey" الذى أعلن فى عام 1651م أن كل مولود يبدأ تكوينه ويتأتى من "بويضة" وأن الجنين يتم تخليقه تدريجياً فى مراحل، مرحلة بعد مرحلة، ولا يتم تخليقه دفعة واحدة فى مرحلة واحدة، ولقد أصبح التحقق من هذه الحقائق متاحاً ممكناً بعد اختراع المجهر microscope الذى تم اختراعه واستخدامه قبل (هارفى) بوقت قصير، وعلى الرغم من ذلك ظل النقاش مستمراً لوقت طويل بين علماء الأجنة عن دور الحيوان المنوى ودور البويضة فى عملية الإخصاب وبدء الحمل، كان (بفون Buffon) عالم الطبيعيات المشهور على رأس فريق من العلماء يرون أن البويضة هى التى تسبب الإخصاب، وكان (بونى Bonnet) على رأس فريق آخر من العلماء يرون أن مبيض الأنثى يحتوى على بذور كل الكائنات البشرية ذكوراً وإناثاً يختلط بعضها بالآخر، واستمر الجدل بين مختلف وجهات النظر بين العلماء فى هذه المسائل وأمثالها طوال القرن الثامن عشر، حتى استقرت الحقائق بفضل تقدم العلم ووسائل وأدوات العلم فى عصرنا الراهن.

ولقد عرف الناس القرآن منذ أكثر من ألف عام، وكانت الخرافات والأساطير سائدة فى العصر الذى نزل فيه القرآن، ولكننا نجد بالفعل أن الحقائق التى يذكرها القرآن بشأن موضوع علمى مثل موضوع التناسل البشرى، يعبر عنها بألفاظ سهلة بسيطة رغم أنها حقائق علمية قضت البشرية مئات السنين لتصل إلى معرفتها بالوسائل البشرية العلمية الخاصة بالبشر".(12)

وإذا ذكرنا إعجاز القرآن فى علم الأجنة، لا ننسى أن نذكر العالِم الكندى البروفيسور (كيث مور) .أحد أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم، والحاصل على جائزة جرانت من الجمعية الكندية -الجائزة الأكثر بروزا في حقل علم التشريح في كندا (جي. سي. بي)- في عام 1984م.

وقد قال البروفيسور (كيث مور) فى أحد مؤتمرات الإعجاز العلمى فى موسكو: "إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث".

وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986؛ وقف الأستاذ الدكتور/ (كيث مور Keith Moore) في محاضرته قائلاً: "إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين". (13)

وبعد أن اقتبسنا شيئاً يسيراً من إعجاز القرآن فى الهواء حيث: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}، وفى الأرض حيث: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ}، وفى الزمان حيث: {سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ}، وفى النفس البشرية حيث: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.

بعد هذا الاقتباس ما كان لنا أن نترك قول الله فى التوراة: {إنَّ العلي ألْهَمَ الناس العِلم لكي يُمجَّد في عجائبه..} تتمة سفر أستير38/6...فسبحان الذى علم الإنسان ما لم يعلم، وعنده غيب السموات والأرض.

ومما سبق من دلائل على أن القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- نذكر قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.النحل89
حيث يخبرنا الله أن القرآن العظيم هو: منهاج كامل، فيه البيان الحق الشافي لأمور الدين والدنيا، فلا خير إلا دل عليه، ولا شر إلا حذر منه، وكل مسألة وكل مشكلة قديمة أو حاضرة أو مستقبلة فإن الحل الصحيح العادل لها في القرآن... فالعلم والعقيدة والسياسة ونظام الحكم والقضاء وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد ونظام العقوبات وغير ذلك مما يحتاج إليه البشر، كل ذلك قد بينه الله في القرآن، وعلى لسان رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل بيان، كما أخبر الله بذلك في الآية المذكورة حيث أخبر أن: القرآن تبيانا لكل شيء. (14)

وهنا علينا أن نتعرف على ما يدعوا إليه القرآن؟ حيث إن القرآن الذى هو كلام الله وكتابه، قد دعا إلى اتباع دين الله فى أرضه وشريعته الخاتمة، التى أتم بها ما أرسله من قبل إلى خلقه عبر رسله وأنبيائه، فالقرآن يدعو إلى الدين الخاتم، دين الإسلام.

الهوامش:

1-لخضر شايب..جزائرى، أستاذ التعليم العالى بجامعة باتنة بالجزائر.2

2- نبوة محمد فى الفكر الإستشراقى المعاصر/د.لخضر شايب
3- الأدلة القاطعة / مجدى سيد عبد الباقى

4-صلاح الدين المغربى...عضو فى الجمعية الأمريكية لطب الفضاء، وأستاذ لطب الفضاء بمعهد طب الفضاء بلندن.
5- الموسوعة الذهبية فى إعجاز القرآن الكريم والسنة البوية /د.أحمد مصطفى متولى.ص.44،43

6- تفسير الطبرى
7- زغلول النجار...دكتوراه في علوم الأرض من جامعة ويلز ببريطانيا.

8- (مقالة د.زغلول النجار - http://www.55a.net/firas/arabic/)
9- حسنه الشيخ الألبانى- من السلسلة الضعيفة

10- الموسوعة الذهبية.ص442-443.

11- (Maurice Bucaille)...جراح فرنسى شغلته المقارنة بين الأديان عن مهنة الطب والجراحة.
12- ]التوراة والإنجيل والقرأن بمقياس العلم الحديث/موريس بوكاى. تر جمة على الجوهرى. ص248- 251[

13- http://www.55a.net/firas/arabic/ نقلاً عن (الذين هدى الله/الدكتور زغلول النجار).
14- دين الحق.

دعوة عامة لأهل الأديان


دعـوة عامـة

بسم الله الرحمن الرحيم ............ والحمد لله رب العالمين...........

أيها السيدات والسادة.... أعزائى:

حديثى إلى كل من له قلب ينبض وعقل سليم يفكر.

فكلنا يعرف أن له ربًّا خلقه، ودينًا اختاره الله له، ليكون منهج حياة نتعرف على الله من خلاله ونطبق ما فيه من أوامر ونصائح وشرائع، ونترك كل ما نهى الله عنه، لنُرضى خالقنا، وننال بذلك وعد الله لنا بالنعيم المقيم فى الدنيا والآخرة... ولأنه يخص حياتنا التى نعيشها ومستقبلنا بعد الموت والدفن، والبعث والحساب... فالأمر جَدُّ خطير.
فقد أردت أن أحدثكم عن السلامة فى الدنيا والآخرة والتى لن تكون إلا بمرضاة رب الكون وخالقه، ولن يرضى الله الخالق إلا بإتباع دينه الذى اختاره لنا، والإيمان برسله الذين أرسلهم إلينا ليبينوا لنا الحق من الباطل.

ولكن يبقى لنا سؤال: أى الأديان نتّبع.. هل دين موسى وكتابه التوراة.. أم دين المسيح وكتابه الإنجيل.. أم دين محمد (الإسلام) وكتابه القرآن؟
فلابد أن نعرف أيهم أحق أن يُتّبع، وأن نعرف أيضاً هل كلهم من كلام الله أم منهم من كلام البشر وهو افتراء وكذب على الله؟
ولكن كيف نعرف هذا وكلٌ منا يتَّبع دينا، يرى أنه على الحق، ويأبى أن يتعرف على ما جاء فى الأديان الأخرى.. ولقد أهلك الله أقواماً قَبلَنا كانوا يعبدون أشياء من دون الله، وعندما سُئلوا لِما تعبدون من دون الله ما لم ينزّل به سلطانا؟ قالوا: وجدنا عليها أباءنا وأجدادنا... فهل نكون مثلهم دون إعمال العقل؟...... أم نتمسك بكتاب دون غيره؟
لقد جاء فى التوراة _:
{أنا الرب... لا يكن لك آلهة أخرى أمامى} .الخروج 20: 2-3
وجاء _:
{ أنا الرب وليس آخر لا إله سواى} .إشعياء 45: 5

وجاء فى الإنجيل _:
{ لأنه مكتوب للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد}. متى 4: 10
وجاء _:
{ نعلم أنه ليس وثن فى العالم وأن ليس إله آخر إلا واحد} . كورنثوس 8: 4

وجاء فى القرآن _:
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ}. البقرة 163
وجاء _:
{وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}. العنكبوت 46

فكل تلك الكتب تقول أن الله واحد ولكن: أى إله نعبد وأى الطريق يؤدى إليه..؟

قالت اليهود: إن التوراة أُنزلت على موسى. ولديهم تعاليم التوراة ولم يشهدوا بما جاء فى المسيحية من إلوهية المسيح أو بنوته.
وقالت النصارى: أنهم على حق وأن اليهود قتلوا المسيح، وقالت أيضاً: أن المسيح هو الله وابن الله، برغم ما جاء على لسان المسيح ذاته فى كتاب الإنجيل عندما قال :
{ إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم }.يوحنا 20: 17 .
فإن قال: أبى. فقد قال أيضا: أبيكم. وإن قال: إلهكم. فقد قال أيضا: إلهى..!!
وقد جاء على لسان بولس الرسول أنه قال:
{لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله و الناس الإنسان يسوع المسيح}.تيموثاس 2: 5

ولأن التوراة كانت قبل الإنجيل فجاء فيها أنه هناك نبى يأتى إلى العالم. ولم يأت بها: أنه إله ولا ابن إله..!! فِلمَ لم يتّبع اليهود دين النصارى؟ ولِمَ لم يتبع النصارى دين اليهود؟.. أمر عجيب!

ثم يأتى بنا المقام لنذكر دينا آخر وهو الإسلام.. والذى جاء بلهجة تحٍد شديدة لِمن يُثبت أن القرآن ليس من عند الله، ومع ذلك فقد أقر الإسلام بنبوة موسى وعيسى، وأن كتبهم من كلام الله، ولكن تطاولت أيدى البشر على تلك الكتب فحرفتها.. والعجيب أن الإسلام جاء بأدلة على التغيير والتحريف.

ولكن، أين الحق؟

فإن كانت التوراة بها تعاليم وإخبار بالمستقبل، فالإنجيل به تعاليم وإخبار بالمستقبل، وجاء القرآن أيضاً بتعاليم أخرى، وإخبارات أيضا لما قد يحدث فى المستقبل من أحداث وحقائق علمية، ولعل فيها أيضاً من النفع والفائدة والصدق ما جعل علماء الغرب قبل الشرق من اليهود والنصارى يعلنون أن: ما توصلوا إليه فى بعض اكتشافاتهم العلمية قد سبقهم إليه دين محمد. وذلك ثابت بالأدلة والتاريخ... والأعجب أن كثيراً منهم آمن بدين محمد وشهد أنه ليس كلام بشر ودخل الإسلام، ومنهم من شهد لمحمد بالصدق ولكن ظل على ما هو عليه من دين.
فهيا بنا نبحث عن طريق الحق دون اتباع للهوى، ولا نكف عن البحث حتى نتيقن أننا على الطريق الصحيح الذى اختاره لنا الله. حتى نفوز برضاه ونعيمه وننجو من عقابه وعذابه... هيا بنا نبدأ من حيث انتهى الآخرون.

أما عن نفسى فقد بدأت من حيث انتهى الآخرون، وكيف ذلك؟

لقد قرأت عن الشبهات التى اتهم بها أهل كل كتاب أهل الكتاب الآخر وقرأت الرد عليها، واطلعت أيضاً على إشارات تلك الكتب للأحداث المستقبلية، حتى تسنى لى الوقوف على أرض ثابتة وتوثقت مما قاله هؤلاء وأولئك، ومن هنا اتضح لى بعض النتائج:

1- أن على وجه الأرض ثلاث كتب أصلية منزلة من عند الله وهى (التوراة– الإنجيل– القرآن).
2- أن كل تلك الكتب تدعو لعبادة إله واحد لا شريك له ولا منازع له فى ملكه.
3- أن تلك الكتب جاءت لتكمل بعضها وربما تنسخه، ولم تكن لتنقض سابقها.
4- أن الله اختص لتبليغ ما فى الكتب للبشر أُناسًا هم من أفضل الخلق على الإطلاق وهم الأنبياء.
5- أن الله أيد أولئك الأنبياء بالمعجزات وخوارق العادات ليبرهن على صدق نبوتهم.
6- أنه لابد من الإيمان بالكتب الثلاثة سوياً حتى يتحقق كمال الإيمان.
7- أنه لابد من الإيمان بالأنبياء والرسل مع عدم التفريق بينهم.

ولأننى اتبعت هذا الدين وهو الإسلام وآمنت بالقرآن شريعةً لله فى أرضه بعد التوراة والإنجيل، وآمنت بالنبى المبلِّغ به وهو محمد -صلى الله عليه وسلم-، وبعد أن قرأت الكتب الأخرى المنزلة من قبل الله وهى التوراة والإنجيل، وددت أن أعرض لكم بعض الدلائل والبراهين على أن:

- القرآن كلام الله.
- الإسلام دين الله.
- محمد رسول الله .

فلعلى أُوفّق فى عرضى لتلك المسائل الهامة، ولعلكم تُمعنوا التفكير فى كل مسألة على حدى، دون إتباع للأهواء، أو المُضى على نهج الآخرين دون إعمال العقل الذى مُيّزنا به عن سائر المخلوقات.


والله أسأل أن يشرح صدورنا ويهدينا إلى صراطه المستقيم.