الثلاثاء، 22 يونيو 2010

قصة الوحى (1)

محمد قبل البعثة

بيئته:

نشأ رسول الله فى بيئة صحراوية لا تعرف الزراعة ولا الصناعة إلا قليلاً وإنما كانت التجارة هى مصدر عيشهم، وكان الذين يمارسون التجارة من سكان الجزيرة العربية هم أهل المدن، ولا سيما أهل مكة فقد كان لهم مركز ممتاز في التجارة، وكان لهم بحكم كونهم أهل الحرم منزلة في نفوس العرب فلا يعرضون لهم، ولا لتجارتهم بسوء، وقد امتن الله عليهم بذلك في القرآن الكريم: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ}. [العنكبوت: 67]

وقد ابتُلِى العرب بتخلف ديني شديد، ووثنية سخيفة لا مثيل لها، وانحرافات خُلقية، واجتماعية، وفوضى سياسية، وتشريعية، ومن ثم قل شأنهم وصاروا يعيشون على هامش التاريخ، ولا يتعدون في أحسن الأحوال أن يكونوا تابعين للدولة الفارسية أو الرومانية، وقد امتلأت قلوبهم بتعظيم تراث الآباء والأجداد واتباع ما كانوا عليه مهما يكن فيه من الزيغ والانحراف والضلال ومن ثَم عبدوا الأصنام، فكان لكل قبيلة صنم (1).

وقد حالت هذه الوثنية السخيفة بين العرب، وبين معرفة الله وتعظيمه وتوقيره والإيمان به، وباليوم الآخر وإن زعموا أنها لا تعدو أن تكون وسائط بينهم وبين الله، وقد هيمنت هذه الآلهة المزعومة على قلوبهم وأعمالهم وتصرفاتهم، وجميع جوانب حياتهم، وضعف توقير الله في نفوسهم قال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ}. [الأنعام: 36] ... أما البقية الباقية من دين إبراهيم عليه السلام فقد أصابها التحريف، والتغيير والتبديل، فصار الحج موسما للمفاخرة والمنافرة، والمباهاة وانحرفت بقايا المعتقدات الحنيفية عن حقيقتها وألصق بها من الخرافات والأساطير الشيء الكثير.

أما عن أخلاق العرب فقد ساءت، حتى أنهم أولعوا بالخمر والقمار، وشاعت فيهم الغارات وقطع الطريق على القوافل، والعصبية والظلم، وسفك الدماء، والأخذ بالثأر، واغتصاب الأموال، وأكل مال اليتامى، والتعامل بالربا، والسرقة والزنا... وكانت التقاليد والأعراف قد هيمنت على حياة العرب، وأصبحت لهم قوانين عرفية فيما يتعلق بالأحساب والأنساب، وعلاقة القبائل ببعضها والأفراد كذلك، فكانت كل قبيلة من القبائل العربية لها شخصيتها السياسية، وهي بهذه الشخصية كانت تعقد الأحلاف مع القبائل الأخرى، وبهذه الشخصية أيضًا كانت تشن الحرب عليها... وكانت الحروب بين القبائل على قدم وساق، فقد تكون أسبابها شخصية أحيانًا، أو طلب العيش أحيانًا أخرى، إذ كان رزق بعض القبائل في كثير من الأحيان في حد سيوفها،ولذلك ما كانت القبيلة تأمن أن تنقض عليها قبيلة أخرى في ساعة من ليل أو نهار لتسلب أنعامها ومؤنها، وتدع ديارها خاوية كأن لم تسكن بالأمس(2) ... وقد قضى الإسلام على ذلك حتى كانت تسير المرأة والرجل من صنعاء إلى حضرموت لا يخافان إلا الله والذئب على أغنامهما. (3)

ولم يكن العرب أهل كتاب وعلم كاليهود والنصارى، بل كان يغلب عليهم الجهل والأمية، والتقليد والجمود على القديم -وإن كان باطلا- وكانت أمة العرب لا تكتب ولا تحسب وهذه هي الصفة التي كانت غالبة عليها، وكان فيهم قليل ممن يكتب ويقرأ ومع أميتهم وعدم اتساع معارفهم فقد كانوا يشتهرون بالذكاء، والفطنة، والتهيؤ لقبول العلم والمعرفة، ولذلك لما جاء الإسلام صاروا علماء، حكماء، فقهاء، وزالت عنهم الأمية، وأصبح العلم والمعرفة من أخص خصائصهم، وقد وضح ذلك عند حديثنا عن حضارة الإسلام . (4)

لقد كانت المرأة عند كثير من القبائل كسقط المتاع، فقد كانت تورث، وكانوا لا يورثون البنات ولا النساء ولا الصبيان، ولا يورثون إلا من حاز الغنيمة وقاتل على ظهور الخيل، وبقي حرمان النساء والصغار من الميراث عرفا معمولاً به عندهم إلى أن نزل قوله تعالى: {لِلرِّجَالِ نَصِيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا}. [النساء: 7]، وكان العرب يُعيّرون بالبنات؛ وكثيرا ما كانوا يختارون دسها في التراب، ووأدها حية، ولا ذنب لها إلا أنها أنثى، وقد حدثنا القرآن الكريم عن حالة من تولد له بنت فقال تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ - يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ ساءَ مَا يَحْكُمُونَ}. [النحل: 58-59]

وكان بعض العرب يقتل أولاده من الفقر أو خشية الفقر فجاء الإسلام وحرم ذلك قال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُم مِّنْ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}. [الأنعام: 151]، وقال تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا}. [الإسراء:31].

وقد كان من سنن الله عزوجل في هذه الحياة، أن جعل لكل بداية نهاية، فمع اليوم غداً، وبعد الحدث جدثاً، ولكل مولود يوم موعود، وهذه سنة الله في الذين خلو من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً، فكم من حضارة قامت وازدهرت ثم ما لبثت أن تبدلت وتبددت. ولكن جعل الله لهذه السنن أسباباً ونواميس وقوانين؛ حتى يسهم البشر في صنعها؛ في تقديمها و تأخيرها، بحسب علمهم وحلمهم. وحتى يكون الجزاء من جنس العمل، وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

فهكذا لمّا اندرست معالم التوحيد في أرض الجزيرة وترك الناس ملة الحنيفية خلا نفر قليل، واجتالت الشياطينُ البشرَ فتاهوا بين وثنية، ومجوسية، ويهودية، ونصرانية، (وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب)(5).، أمست حضارة العرب في حضيض وغدو في شر حال(6) وآذن الناس بهلاك، ولكن اقتضت رحمة الله أن ينبثق فجرٌ وأن يُبعث رسولٌ يخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ويهديهم إلى صراط مستقيم:

لمّا أطل محمدٌ زكت الربى... واخضر في البستان كل هشيم.

فألف الله به بين الشمل وجمع به بين القلوب وعصم به من كيد الشيطان... واقتضت حكمته أن تكون أرض النبوة الخاتمة والرسالة العالمية الخالدة هي أرض الجزيرة العربية. ليبلغ أهلها رسالة ربهم إلى الناس كافة "فالعرب هم حملة شريعة الإسلام إلى سائر المخاطبين بها .. لأنهم يومئذ قد امتازوا من بين سائر الأمم باجتماع صفات أربع لم تجتمع في التاريخ لأمة من الأمم، وتلك هي: جودة الأذهان، وقوة الحوافظ، وبساطة الحضارة والتشريع، والبعد عن الاختلاط ببقية أمم العالم. فهم بالوصف الأول: أهل لفهم الدين وتلقيه. وبالوصف الثاني: أهل لحفظه، وعدم الاضطراب في تلقيه. وبالوصف الثالث: أهل لسرعة التخلق بأخلاقه، إذ هم أقرب إلى الفطرة السليمة... وبالوصف الرابع: أهل لمعاشرة بقية الأمم، إذ لا حزازات بينهم وبين الأمم الأخرى" (7).

نسبه:

هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصى بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر-وهو الملقب بقريش وإليه تنتسب القبيلة- بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان بن أد بن هميسع بن سلامان بن عوص بن بوز بن قموال بن أبىَّ بن عوام بن ناشد بن حزا بن بلداس بن يدلاف بن طابخ بن جاحم بن ناحش بن ماخى بن عيض بن عبقر بن عبيد بن الدعا بن حمدان بن سنبر بن يثربى بن يحزن بن يلحن بن أرعوى بن عيض بن ديشان بن عيصر بن أفناد بن أيهام بن مقصر بن ناحث بن زارح بن سمى بن سمى بن مزى بن عوضة بن عرام بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.(8)

أعمامه:

كان لجده (عبد المطلب) عشرة بنين، وهم: الحارث والزبير وأبو طالب، وعبد الله(9) وحمزة، وأبو لهب، والغيداق ، والمقوم، وصفار، والعباس.

وأما البنات فست وهن: أم الحكيم، وبرة، وعاتكة، وصفية، وأروى، وأميمة.(10)

مولده:

ولد (محمد) فى عشيرة بنى هاشم، واحدة من أوسط عائلات قريش. فى صبيحة يوم الاثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل(11)، ولأربعين سنة خلت من مُلك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثانى وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م، ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده (عبد المطلب) تبشره بحفيده، فجاء مستبشراً ودخل الكعبة، ودعا الله وشكر له، واختار له اسم محمد - وهذا الاسم لم يكن معروفاً فى العرب، ويقول (ول ديورانت) فى هذا الاسم: "ولفظ (محمد) مشتق من الحمد وهو مبالغة فيه، كأنه حمد مرة بعد مرة، ويمكن أن تنطبق عليه بعض فقرات في التوراة تبشر به.(12) وختنه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.(13)

وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم، ابتعاداً لهم عن أمراض الحواضر؛ لتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى فى مهدهم، فالتمس جده عبد المطلب مرضعة تدعى (حليمة السعدية).(14)

وكان جده الأكبر (عبد المطلب) شيخاً معظماً فى قريش، يصدرون عن رأيه فى مشكلاتهم ويقدمونه فى مهماتهم(15)، وكان أول من تاجر لحسابه مع الشام واليمن، وكان لبنى هاشم شرف سقاية الحجاج، ولكن أصابت هاشماً ضائقة مالية. كذلك مات أبوه (عبد الله) قبل ولادته، وكانت أمه (أمنة) فى شدة حتى أن المرضعة التى أخذت محمداً كانت من أفقر قبائل الجزيرة العربية، وعاش محمدٌ عند (حليمة السعدية) ست سنوات(16) من الحياة البدوية فى أخشن صورها، وكانت من أول ما ظهر له من البركات، أن صارت غنيمات حليمة -بعدما صار هو بينهم- تؤوب من مرعاها وإن أضراعها لتسيل لبناً، بعد أن كانت مجدبة جافة لا لبن فيها.، وبعد عودته إلى مكة بسنة، ماتت أمه، مما ترك فيه حزناً مضاعفاً واهتماماً كبيراً باليتامى لما كبُر.

وقد عاش محمد مع جده (عبد المطلب)، الذى أحبه وقربه إليه، وكان يأخذه معه إلى الكعبة وسط أعمامه، ويجلسه بجواره ويربت على ظهره بحب، ولكن مات عبد المطلب ومحمد ما زال فى الثامنة ولم يرث شيئاً، فأخذه عمه (أبو طالب) –كبير بنى هاشم، وذو المكانة الرفيعة فى مكة- برغم أن أعماله التجارية كانت فى هبوط. وأحب أبو طالب محمداً حباً كبيراً، وكذلك أحبه أعمامه.(17)

ونهض (أبو طالب) بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده، وقدمه عليهم، واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله.(18)
ولما بلغت سن (محمد) اثنتى عشرة سنة، أراد عمه وكفيله السفر بتجارة إلى الشام، فاستعظم محمدٌ فراقه، فرَقَّ له، وأخذه معه، وهذه هى الرحلة الأولى، ولم يمكثوا فيها إلا قليلاً، وقد أشرف على رجال القافلة- وهم بقرب بصرى- بحيرا الراهب، فسألهم عما رآه فى الكتاب المقدس من بعثة نبى من العرب فى هذا الزمن، فقالوا: إنه لم يظهر إلى الآن، وهذه العبارة كثيراً ما كان يلهج بها أهل الكتاب من اليهود والنصارى قبل بعثة محمد(19)، ولذلك ورد فى القرآن قول الله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ}" {البقرة: 89}

ولقد شهد (محمدٌ) عند بلوغه الخامسة عشر حلفاً استراتيجياً، يُطلق عليه حلف الفضول، تداعت إليه قبائل من قريش، فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُرد عليه مظلمته، رغم أن هذا الحلف روحه تنافى الحمية الجاهلية التى كانت العصبية تثيرها، وقد قال محمدٌ بعد أن أكرمه الله بالرسالة: لقد شَهدّتُ حلفاً ما أُحب أن لى به حمر النعم، ولو أُدْعَىَ به فى الإسلام لأَجَبت.(20)

ولأن محمداً لم يرث من والده شيئاً، وقد ولد يتيماً فقيراً، فعندما بلغ مبلغاً يمكنه أن يعمل عملاً ما، اشتغل برعى الأغنام لأهل مكة، حتى أثَّرت تلك الحرفة فى شخصيته، فسكن قلبه الرأفة واللطف تعطفاً بأضعف البهائم، حتى أصبحت تلك السمات هى نفس سمات تعامله مع البشر.(21)

فلما بلغ الخامسة والعشرين من عمره، وكانت أخباره وصفاته الحميدة قد زاعت بين الناس، حتى سمعت بها (خديجة بنت خويلد) -وهى امرأة تاجرة ذات شرف ومال، كانت تستأجر الرجال فى مالها، وتضاربهم إياه بشيء تجعله لهم-، فعرضت عليه أن يخرج فى مال لها إلى الشام تاجراً، وتعطيه أفضل ما كانت تعطى غيره من التجار، وأرسلت معه غلاماً لها، فلما أنهى الرحلة إلى الشام –كانت هذه رحلته الثانية- وعاد إلى مكة، رأت خديجة فى مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها بما رأى من خلال محمد العذبة، وشمائله الكريمة، وفكره الراجح، ومنطقه الصادق، ونهجه الأمين، وبهذا النجاح الذى حققه محمد فى تجارته وهذه الخصال الكريمة التى عرفتها عنه، وجدت فى فيه ضالتها المنشودة -مع أن السادات والرؤساء كانوا يحرصون على الزواج منها فتأبى عليهم- فتحدثت بذلك إلى صديقة لها، فلم تلبث تلك الصديقة إلى أن تُعلمْ محمد بما فى نفس خديجة، فرضى محمد بالزواج من خديجة، وكانت خديجة تبلغ الأربعين من عمرها وقد سبق لها الزواج، لكنها كانت أفضل نساء قومها نسباً وثروةً وعقلاً، وتزوجها محمد ولم يتزوج غيرها، إلى أن ماتت وهو فى الخمسين من عمره، ويقول (ديورانت) فى هذا الشأن ما نصه: "ولم يتزوج غيرها حتى توفيت بعد ذلك بستة وعشرين عاماً، ولم يكن الاقتصار على زوجة واحدة أمراً مألوفاً عند أغنياء العرب في ذلك الوقت".(22)، وقد أنجب محمد من خديجة كل أولاده عدا (ابراهيم) –كان من (مارية القبطية) (23)-، فكان له منها القاسم وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة وعبد الله، وقد مات بنوه كلهم فى صغرهم، أما البنات فكلهن أدركن الإسلام فأسلمن وهاجرن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أنهن أدركتهن الوفاة أيضاً فى حياته، سوى فاطمة ماتت بعده بستة أشهر.(24)

ولما بلغت سن محمد خمساً وثلاثين سنة، جاء سيل جارف، فصدع جدران الكعبة بعد وهنها من حريق كان أصابها من قبل، فأرادت قريش هدمها ليرفعوها ويسقفوها، فاجتمعت قبائلهم لذلك، فهدموها، ثم ابتدئوا فى البناء، وأعدوا لذلك نفقة، واتفقوا على ألا يدخل فى تلك النفقة مهر بغيّ، ولا بيع ربا، وذلك تعظيماً لبيت الله وتقديساً له، فلما تم البناء وأرادوا وضع الحجر الأسود فى موضعه، اختلف أشرافهم فيمن يشرُف برفع الحجر وتنافسوا على ذلك، حتى كادت تشب بينهم نار الحرب، ودام بينهم الخصام أربع ليال حتى اتفقوا على أن يحكِّموا بينهم أول قادم عليهم، فكان أول قادم عليهم هو محمد بن عبد الله فاطمأن الجميع له وقالوا: هذا الأمين رضيناه ، هذا محمد -وكانوا يتحاكمون إليه ويعهدون فيه الأمانة وصدق الحديث- فلما أخبروه الخبر بسط رداءه، وقال: "لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب"، ثم وضع فيه الحجر، وأمرهم برفعه حتى انتهوا إلى موضعه، فأخذه ووضعه فيه.، وبهذا القضاء الحكيم انتهت المشكلة وخمدت الحرب بين القبائل قبل أن تشتعل، ولا يُستغرب من قريش تنافسهم هذا؛ لأن الكعبة هى قبلة العرب وكعبتهم التى يحجون إليها، فكان لزاماً أن يكون كل عمل بها عظيم وفيه الفخر والتشريف.(25)
________________________________________
1- السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث/على محمد الصلابى نقلاًعن(الغرباء الأولون،ص60).
2- السيرة النبوية/الصلابى نقلاً عن(دراسة تحليلية لشخصية الرسول/د.محمد قلعجى)
3- المرجع السابق نقلاً عن (السيرة النبوية لأبي شهبة 1/93)
4- المرجع السابق
5- جزء من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه وهو عند مسلم برقم 2865.
6- عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال: "لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها نبي من الأنبياء في فترة وجاهلية ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان فجاء بفرقان فرق به بين الحق والباطل". رواه الإمام أحمد في المسند والبخاري في الأدب المفرد.
7- خصائص جزيرة العرب ص61، للشيخ بكر أبو زيد. مع اختصار يسير.
8- الرحيق المختوم / صفى الرحمن المباركفورى ص45
9- عبد الله... هو والد النبى محمد صلى الله عليه وسلم
10- الرحيق المختوم. ص43.
11- هى محاولة هدم الكعبة بواسطة جيش يقوده أبرهة الأشرم والى النجاشى على اليمن، وكان يتقدمها مجموعة من الفيلة.
12- قصة الحضارة/ول ديورانت (محمد فى مكةج13ص21)
13- الرحيق المختوم. ص 45
14- الرحيق المختوم ص46.
15- نور اليقين فى سيرة سيد المرسلين/ محمد الخُضرى. ص13
16- اختلف أهل السير فى مكوثه صلى الله عليه وسلم عند حليمة، ما بين ثلاث إلى خمس سنوات.
17- محمد نبى لزماننا / كارلين أرمسترونج. ص36،37
18- الرحيق المختوم ص48
19- نور اليقين ص.17
20- الرحيق المختوم بتصرف ص48
21- نور اليقين ص 22 .
22- قصة الحضارة /محمد فى مكة.ص22
23- ...الجارية التى أهداها إليه المقوقس عظيم القبط فى مصر.
24- الرحيق المختوم ص51
25- نور اليقين ص21 بتصرف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق