الأربعاء، 17 يونيو 2009

الأدلة على أن القرآن هو كلام الله


القرآن كلام الله


القرآن هو كتاب الله الذى أنزله على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، ومن الشتات إلى الاستقرار، ولقد ثبت بالأدلة القاطعة بما لا يدعو مجالاً للشك أن القرآن ليس من كلام بشر، ومن ثَم فهو من كلام الله الخالق... لقد جاء القرآن مخاطباً العقول متحدياً الصعاب رادًّا على المتشككين بما يدحض شُبُهَاتهم، ومتحديًّا لمنكريه بأشد أنواع التحدى، ومُبرهن على صحته وصحة ما ورد فيه لأهل كل زمان ومكان، وقد تعددت صور التحدى فى القرآن، فمنها ما كان فى حدود القول، ومنها ما تعدى للفعل، وحتى يكون الكلام فى محله فها نحن نعرض بعض ما جاء به من براهين وما يحمله من صور التحدى، ثم نقف على مفهومها ودلائل صحتها.

- صور التحدى القولية:


لقد جاء فى القرآن العديد من الآيات الدالة على إثبات صحته، و نفى الشك عنه... ومنها ما يلى:
- قوله تعالى: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.يونس: 37
وفى تلك الآية يخاطب الله من ادَّعى أن القرآن من لدُن بشر، فيبدؤها بصيغة النفى مع استخدام الفعل فى الزمن الماضى والفعل فى زمن المستقبل ليثبت استحالة افتراء محمد للقرآن، ثم يستدرك بتصديق القرآن لما قبله من الكتب (التوراة والإنجيل) حين قال: {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}.، ويؤكد تارة أخرى على أنه لا شك ولا ريب فى نزوله من رب العالمين.. ونلاحظ هنا أن النفى جاء أولاً: لدفع شبهة افتراء محمد -صلى الله عليه وسلم- للقرآن، ثم جاء ثانياً: لدفع شبهة أنه ليس من رب العالمين مستخدماً صيغة التوكيد المحذوفة.

- وقوله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.هود: 13
وهنا يبين الله إعجاز القرآن.. بالتحدى الصريح لمكذبى الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، والمدَّعين عليه بأنه أتى به من قِبل نفسه ونسبهُ لله، قائلاً جل وعلا ما معناه: إن كان محمد افتراه من عنده وهو 144 سورة، فأتوا أنتم بعشر سور فقط، ومن العجيب أن يطلب منهم أن يفتروا تلك العشر ولم يٍُعَجِّزهم بأن يأتوا بها من قبل خالقهم أو من يتعبدون له، بل ويترك لهم الحرية فى دعوة من استطاعوا ليتحالف معهم على الإتيان بتلك العشر من السور.

- وقوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.السجدة 2 ،الريب: يعنى قلق النفس واضطرابها= الشك.

فبعد أن نفى الله فى الآيتين السابقتين افتراء محمد -صلى الله عليه وسلم- للقرآن وتحدى العرب بأن يأتوا بعشر سور من مثل القرآن، جاء هنا ليتحول من صيغة النفى إلى صيغة الإثبات، فيثبت أن هذا القرآن منزل من الله يقينا ولا شك فى ذلك.
- وقوله تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ}. البقرة 2

وتأتى الآية لتؤكد ما جاء فى سابقتها، فقرّر بذلك كون أن القرآن كلام الله يقيناً لا يحوم الشك حوله، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم زاد الله قوله: {هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} ليبين سبب نزول القرآن وهو الهداية لمن أرادها من البشر وهم الذين يحذرون غضب الله عليهم فيأتمرون بأمره وينتهون بنهيه.

- وقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}.البقرة 22
ولما عجز المكذبون والمتشككون عن الإتيان بعشر من السور، جاء التحدى الأشد والإعجاز الأعظم وهو دعوتهم إلى أن يأتوا بسورة واحدة فقط من مثل ما جاء به محمد r من عند ربه، والأهم هنا أن القرآن نزل باللغة العربية وهى لغة القوم الذين نزل فيهم، وهم أعرف الناس باللغة من حيث النظم والبلاغة والشعر والنثر وعدم اللحن، وهذا مما يرفع من شأن التحدى ذاته ومن قوته.

- وقول الله: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.البقرة 24

وهذه الآية تلحق سابقتها من نفس السورة ليزداد الإعجاز إعجازا حيث أن الله أغلق أمام المشككين كل محاولات الإتيان بمثل القرآن، أو بعشر سور من مثله، أو حتى بسورة واحدة فقط، وذلك بقوله:{ولن تفعلوا}.، ثم حذرهم مما ينتظر الكافرين من عذاب النار.

فهكذا جائت آيات القرآن تنفى أنه من عند غير الله، فرأينا كيف بدأ الله الخطاب فى الآية الأولى: بنفى افتراء محمد -صلى الله عليه وسلم- للقرآن، ثم فى الثانية: بالتحدى لمن يأتى بعشر سور من مثله، ثم فى الثالثة والرابعة: بإثبات نزوله من قِبَل الله، ثم فى الخامسة: بتأكيد التحدى لمن يستطيع أن يأتى ولو بسورة واحدة من مثل ما جاء فى القرآن، وجاء فى السادسة: ليُنْهِي التحدى ، بالتأكيد على عدم استطاعة المكذبين ولو كانوا من أهل اللغة والبلاغة بأن يأتوا بتلك السورة..

- صور التحدى الفعلية:




تتمثل تلك الصور من التحدى فى إخبار القرآن بالكثير من العلم الغيبى الذى لم يكن يعلمه أحد، مثبتاً بذلك؛ التحدى القولى الذى سقناه أعلاه، وتكمن تلك الصور فى مفهوم هذه الآية. حيث قال الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.فصلت 53
فتأتى الآية بوعد الله سبحانه أن يكشف للناس باستمرار عن آياته -معجزاته- في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، ويُذهب ما في قلوبهم من ريب وشك.. ولقد أنزل الله سبحانه هذا الوعد المجيد، قبل أن يُفِكر الإنسان فى غزو الآفاق أو التعرف على أسرار نفسه، حتى إذا رأى الإنسان آيات الله فى الكون، ثم عرفها فى كتاب الله؛ يعلم أن الذى أنزل القرآن المجيد هو الله الخالق لهذا الوجود.

ومن هنا يتبين لنا أن صور التحدي في القرآن ليست للعرب وحدهم، وليست فى اللغة وحدها... بل هي للعالم أجمع.. وفى شتى العلوم.. وفى وجوه متعددة.

فقد كانت هناك معجزات للقرآن.. وقت نزوله.. وبعد نزوله.. وهي مستمرة حتى يومنا هذا.. ولعلها تظهر واحدة تلو الأخرى مع التقدم العلمى فى شتى المجالات، لأننا لم نستطع فَهم بعض آيات القرآن فى الزمن الماضى إلا من خلال الاكتشافات العلمية الحديثة.

ومن منطلق الآية السابقة يقول الدكتور (لخضر شايب) (1): "إن أيسر وجوه إعجاز القرآن الكريم تكمن فى بشاراته وإخباره بالحوادث المستقبلية، إضافة إلى دلالة هذا الوجه على قناعة النبى -صلى الله عليه وسلم- التامة بربانية الوحى".، ويضيف: "وتعود السهولة إلى قدرة كل أحد على معرفة ذلك، إذ كان يكفى كل كافر أن ينتظر حدوث الأمر الذى أخبر عنه القرآن ليعرف مدى صدقه أو كذبه. أما دلالة هذا الوجه على إيمان النبى -صلى الله عليه وسلم- بالمصدر الإلهى للوحى، فلأنه ما كان ليُجازف بالنص على هذه التحديات الحدثية والزمانية التى وردت فى القرآن لو لم يكن على يقين من صدقه، إذ إن بإمكانها تبيين كذبه ببساطة تامة فى حالة عدم وقوعها" (2).، وقد أشار (د.شايب). فى قوله؛ إلى أيسر وجوه الإعجاز. وهو: الإخبار بالحوادث المستقبلية، ومن هذا الكلام يتضح لنا أن الإعجاز القرآنى لم يقف عند الإخبار بالمستقبل بل تعدى إلى وجوه أخرى ومنها تحدثه عن حقائق علمية لم تظهر إلا فى القرن العشرين.

ولأن التحدى للقرآن جاء بصيغة سوف {سَنُرِيهِمْ} أى أن التحدى ليس لفترة نزوله فقط بل حتى نهاية العالم، فما انطبق على العرب المعاصرين لزمن النبوة ينطبق على البشر الذين يعيشون بيننا اليوم، إذ بإمكان كل أحد أن يستوثق من هذه المعجزة بمجرد النظر فى أسلوب القرآن الكريم، وتوالى الحوادث التاريخية التى تحدث عنها، واكتشاف الحقائق العلمية التى أخبر بها.


ومن أوجه الإعجاز فى القرآن:

- قول الله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}.الأنعام 125
وجه الإعجاز فى الآية هو: لماذا {ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}؟.. فما الذى يجعل الصدر ضيقاً حرجاً عند تصعُّده فى السماء؟ والجواب:


هو ما اكتشفه العلم الحديث؛ من انخفاض ضغط الهواء ونسبته كلما ارتفعنا عن سطح الأرض، وأن من يَصَّعَّدْ فى السماء يضيق تنفسه، وتضغط عضلة الحجاب الحاجز -الموجودة بين البطن والصدر- على الرئتين فتنقبضان بشدة، وهنا يضيق صدر الإنسان، من أجل ذلك كان من الضرورى عمل ملابس خاصة بالفضاء.!! (3)
وقد تقدم الدكتور (صلاح الدين المغربى) (4) ببحث عن حالة الصدر فى طبقات الجو العليا، فقال: "لنا حويصلات هوائية، والأوكسجين إذا دخل الرئتين ينفخ هذه الحويصلات الهوائية فتراها منتفخة، لكن إذا صعدنا إلى طبقات الجو العليا ينقص الهواء، وينقص الأوكسجين فيقل ضغطه، فتنكمش هذه الحويصلات، فإذا انكمشت ضاق الصدر، ويتحرج النَفَسْ ويَصعُب".(5)


وفى تفسير الآية يقول الإمام (ابن جرير الطبرى): "وهذا مَثلٌ من الله تعالى ذكره وضَرَبَهُ لقلب هذا الكافر في شدة تضييق الله له عن وصول الإيمان إليه، مثل امتناعه من الصُّعود إلى السماء وعجزه عنه، لأن ذلك ليس في وسعه". (6)
- وقول الله I: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ.. وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ..}.الروم 2-6

فى الآيات السابقة وجهين من وجوه الإعجاز:


الأول: إعجاز فى المكان... حين قال الله: {فِي أَدْنَى الْأَرْضِ..}.

فيقول الدكتور (زغلول النجار) (7): "إن أخفض اليابسة على الإطلاق هى منطقة أغوار وادى عربة –البحر الميت– فى الأردن، وهذه المنطقة كانت مُحتلة من قبل الروم البيزنطيين فى عصر بعثة رسول الإسلام محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكانت هذه الإمبراطورية الرومانية يقابلها ويَحُدها من الشرق الإمبراطورية الفارسية الساسانية، وكان الصراع بين هاتين الإمبراطوريتين الكبيرتين فى هذا الزمن على أشُدِّه، ولابد أن كثيراً من معاركهما الحاسمة قد وقعت فى أرض الأغوار، وهى أخفض أجزاء اليابسة على الإطلاق كما ذكرنا سابقاً، ووصْف القرآن لأرض تلك المعركة الفاصلة التى َتغَلََّب فيها الفُرس على الروم –فى أول الأمر بأدنى الأرض– وصْفٌ معجز للغاية، فهذه الإشارة القرآنية العابرة؛ من السبق العلمى فى كتاب الله، لأن أحداً لم يكن يعلم هذه الحقيقة فى زمن نزول الوحى بالقرآن، ولا لقرون متطاولة من بعده.(8)

الثانى: إعجاز فى الزمان... حين قال الله: {سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ..}.

فبعد أن غلبت فارس الروم فرح بذلك كفار مكة وقالوا: الذين ليس لهم كتاب –الفُرس- غلبوا الذين لهم كتاب –الروم-، وافتخروا على المسلمين وقالوا: نحن أيضاً نغلبكم كما غلبت فارس الروم، وكان المسلمين يحبون أن تظهر الروم على فارس لأنهم أهل كتاب.
فجاءت تلك الآيات لرفع معنويات المسلمين وإظهارهم على المشركين من العرب، حيث أخبرهم الله أن الكَرَّة ستعود على الفرس وتغلبهم الروم فى خلال بضع سنين، وينبغى أن نشير إلى أن كلمة بضع فى اللغة العربية: هى العدد بين 3-9.
وقد جاء فى كتب الحديث؛ عن نيار بن مكرم الأسلمي قال: "لما نزلت: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ}.كانت فارس يوم نزلت هذه الآية قاهرين للروم وكان المسلمون يحبون ظهور الروم عليهم لأنهم وإياهم أهل كتاب، وفي ذلك قول الله تعالى: {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ.. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ}.، وكانت قريش تحب ظهور فارس لأنهم وإياهم ليسوا بأهل كتاب ولا إيمان ببعث فلما أنزل الله تعالى هذه الآية خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه يصيح في نواحي مكة: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ}. قال ناس من قريش لأبي بكر فذلك بيننا وبينكم، زعم صاحبك أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين أفلا نراهنك على ذلك قال بلى -وذلك قبل تحريم الرهان-، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان وقالوا لأبي بكر كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين فسم بيننا وبينك وسطا تنتهي إليه. قال: فسموا بينهم ست سنين. قال: فمضت الست سنين قبل أن يظهروا فأخذ المشركون رهن أبي بكر فلما دخلت السنة السابعة ظهرت الروم على فارس فعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين لأن الله تعالى قال: في بضع سنين قال: وأسلم عند ذلك ناس كثير".(9)

ثم ينهى الله تلك الآيات المعجزات بقوله I: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ...}. فكان فى تلك الآيات الثلاث إعجاز فى المكان والزمان.(10)

وبعد أن جئنا بعدة أوجه من الإعجاز القرآنى فى الآفاق، حيث السماء والأرض والزمان والمكان، رأينا أن ننتقل إلى الشق الآخر من الآية:{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}.فصلت 53 - وهو: {وَفِي أَنْفُسِهِمْ..}.

- وذلك فى قول الله I:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}.الحج 5، وقوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ.. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}. المؤمنون 13-14
حيث إعجاز القرآن فى إخباره بمراحل تطور الجنين فى الرحم، ويتحدث الدكتور (موريس بوكاى) (11) عن هذا التطور فيقول: "يتفق تطور الجنين فى الرحم كما يصفه القرآن الكريم تمام الاتفاق مع ما يقرره العلم الحديث فى هذا الصدد، ولا يحتوى وصْفُ القرآن لمراحل تَطوُّرَ الجنين على أى مقولة يستطيع العلم الحديث أن يعارضها أو ينقدها أو ينقضها من حيث تحديد هذه المراحل أو تتابعها... تنزل البويضة المخصبة لتعشش فى تجويف الرحم، ويسمى القرآن الرحم الذى تعشش فيه البويضة بعد إخصابها بالمكان المكين فى بعض الأحيان: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ}، ويُستخدم تعبير الرحم والأرحام فى أحيان أخرى، وذلك كما فى قول الله: {وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى}. ويتحقق استقرار البويضة بالرحم بواسطة امتدادات حقيقية تشبه عملية استقرار البذور فى الأرض، وتنهل البويضة من جدار الرحم كل ما يلزم لنمو الجنين.


ولم يتم الكشف عن هذه الامتدادات فى البويضة مما تجعلها تلتصق وتعشش فى جدار الرحم إلا فى العصر الحديث، ولقد أشار القرآن الكريم خمس مرات إلى هذا التعلق الذى يتمثل فيه بدء عملية التناسل كما هو الشأن فى آيتين من سورة العلق، وذلك فى قول الله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ... خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ}.العلق 1-2، وكلمة "العلق" تعنى: "الشيء يعلق بشيء آخر أو يتشبث به" وتجلط الدم يشبه العلوق ولذلك وجدنا المفسرين ينساقون إلى اعتبار وجود الجنين كجلطة دم هو بداية النسل، ومن الخطأ أيضاً اعتبار أن العلق هو مجرد التصاق شيء بآخر، إن للعلق فى عملية التناسل معنى أكثر من معنى مجرد الملاصقة، إنه ملاصقة ذات تغلغل لشيء فى شيء مع وجود حيوية... ويطلعنا القرآن الكريم على أن الجنين بعد مرحلة العلوق أو التشبُّث التى سبق أن أشرنا إليها، وهى مرحلة حقيقية فى ضوء معلومات العلم الحديث يمر بها الجنين، وينتقل إلى مرحلة أخرى هى مرحلة التكوين "المضغة"، ويكون فيه الجنين قوامه "كقوام اللحم الممضوغ flesh chewed" ثم يتكون داخل اللحم الممضوغ أو"المضغة" النسيج العظمى -أكثر صلابة من لحم المضغة وأكثر ليونة من العظام المكتملة النمو-، ويعبر عن ذلك قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.المؤمنون 13-14، فإذا كانت "المضغة" تشبه اللحم الممضوغ نجد أن "اللحم" المشار إليه هنا يشبه اللحم "غير الممضوغ" أى اللحم الذى لم يمضغ ولم يطبخ، وله قوام آخر غير قوام المضغة، وهذا التمييز بين هذين النوعين من اللحم فى أول مراحل تكوين الجنين يستحق الالتفات.

تؤكد الدراسات العلمية الحديثة أن الجنين فى المرحلة الأولى من مراحل تطوره يكون عبارة عن كتلة صغيرة من اللحم يمكن رؤيتها بالعين المجرد مثل قطعة من اللحم الممضوغ، ويتكون الهيكل العظمى فى هذه الكتلة من اللحم الممضوغ، ثم تتشكل العظام، ثم تتغطى العظام بالعضلات التى تكسو العظام بطبقة من اللحم.

ومن المعروف أن بعض أجزاء جسم الجنين تتغير وأن بعضها الآخر يظل ثابتاً لا يتغير، وهذا هو المقصود بتعبير {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} الموجود بالآية الخامسة من سورة الحج، أى أنه يكون فى هذه المضغة صفات تظل موجودة فى خلقة الجنين مستمرة فى مراحل نموه التالية وصفات أخرى تزول وتتلاشى بعد أداء وظيفتها فى نمو الجنين.

ويذكر لنا القرآن أيضاً ظهور الحواس والأحشاء، وذلك فى مثل قوله تعالى :{ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ}.السجدة 9 ، كما يشير القرآن الكريم إلى تحديد جنس الجنين بين الذكورة والأنوثة فى مثل قوله تعالى: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى.. مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى}.النجم 45-46


وتشير الآية الحادية عشرة من سورة فاطر، وكذلك الآية التاسعة والثلاثون من سورة القيامة إلى أن الله يخلق الذكورة والأنوثة فى الأجنة.
وعند مقارنة هذه الحقائق القرآنية مع حقائق العلوم الحديثة. تتوافق وتتسق حقائق القرآن مع حقائق العلوم الحديثة، ولكن الاعتبار الأكثر أهمية هو ضرورة أن نأخذ فى اعتبارنا المعلومات التى كانت سائدة قبل وأثناء عصر نزول القرآن وربما بعده بقرون كثيرة وكيف أنه لم تتسلل أى معلومات خاطئة من تلك المعلومات الخاطئة الكثيرة التى كانت شائعة فى عصر نزول القرآن إلى آية واحدة من آياته، سواء فى هذا المبحث من مباحث العلوم المختلفة أو ذاك.

إن المعاصرون لنزول القرآن لم يكونوا يمتلكون معرفة كثير من الحقائق العلمية التى أشارت إليها آياته فى مثل هذه الموضوعات العلمية، وليس هناك أدنى شك فى أن المعاصرين لزمن تنزيله من أوائل المفسرين لم يكونوا يستطيعون تفسير الوحى الإلهى المتعلق بهذه الموضوعات العلمية كما تيسر لنا ذلك بفضل الحقائق العلمية التى أصبحت متاحة ومعروفة لنا فى العصر الحديث الذى نعيش فيه، وهى مزيةلم تتحققَ إلى حد كبيرَ إلا بدءاً من القرن التاسع عشر.

وطيلة القرون الوسطى كانت الخرافات والأفكار الأسطورية التى لا تقوم على أى أساس علمى هى التى تسود مختلف المعتقدات فى هذه الموضوعات التى تعتبر موضوعات علمية، بل لقد ظلت هذه الخرافات والأفكار الأسطورية سائدة بين الناس طوال قرون عديدة بعد العصور الوسطى.

إن المرحلة الحاسمة فى تطور وتقدم علم الأجنة بدأت على يد "هارفى Harvey" الذى أعلن فى عام 1651م أن كل مولود يبدأ تكوينه ويتأتى من "بويضة" وأن الجنين يتم تخليقه تدريجياً فى مراحل، مرحلة بعد مرحلة، ولا يتم تخليقه دفعة واحدة فى مرحلة واحدة، ولقد أصبح التحقق من هذه الحقائق متاحاً ممكناً بعد اختراع المجهر microscope الذى تم اختراعه واستخدامه قبل (هارفى) بوقت قصير، وعلى الرغم من ذلك ظل النقاش مستمراً لوقت طويل بين علماء الأجنة عن دور الحيوان المنوى ودور البويضة فى عملية الإخصاب وبدء الحمل، كان (بفون Buffon) عالم الطبيعيات المشهور على رأس فريق من العلماء يرون أن البويضة هى التى تسبب الإخصاب، وكان (بونى Bonnet) على رأس فريق آخر من العلماء يرون أن مبيض الأنثى يحتوى على بذور كل الكائنات البشرية ذكوراً وإناثاً يختلط بعضها بالآخر، واستمر الجدل بين مختلف وجهات النظر بين العلماء فى هذه المسائل وأمثالها طوال القرن الثامن عشر، حتى استقرت الحقائق بفضل تقدم العلم ووسائل وأدوات العلم فى عصرنا الراهن.

ولقد عرف الناس القرآن منذ أكثر من ألف عام، وكانت الخرافات والأساطير سائدة فى العصر الذى نزل فيه القرآن، ولكننا نجد بالفعل أن الحقائق التى يذكرها القرآن بشأن موضوع علمى مثل موضوع التناسل البشرى، يعبر عنها بألفاظ سهلة بسيطة رغم أنها حقائق علمية قضت البشرية مئات السنين لتصل إلى معرفتها بالوسائل البشرية العلمية الخاصة بالبشر".(12)

وإذا ذكرنا إعجاز القرآن فى علم الأجنة، لا ننسى أن نذكر العالِم الكندى البروفيسور (كيث مور) .أحد أكبر علماء التشريح والأجنة في العالم، والحاصل على جائزة جرانت من الجمعية الكندية -الجائزة الأكثر بروزا في حقل علم التشريح في كندا (جي. سي. بي)- في عام 1984م.

وقد قال البروفيسور (كيث مور) فى أحد مؤتمرات الإعجاز العلمى فى موسكو: "إن التعبيرات القرآنية عن مراحل تكون الجنين في الإنسان لتبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث".

وفي مؤتمر الإعجاز العلمي الأول للقرآن الكريم والسنة المطهرة والذي عقد في القاهرة عام 1986؛ وقف الأستاذ الدكتور/ (كيث مور Keith Moore) في محاضرته قائلاً: "إنني أشهد بإعجاز الله في خلق كل طور من أطوار القرآن الكريم، ولست أعتقد أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- أو أي شخص آخر يستطيع معرفة ما يحدث في تطور الجنين لأن هذه التطورات لم تكتشف إلا في الجزء الأخير من القرن العشرين، وأريد أن أؤكد على أن كل شيء قرأته في القرآن الكريم عن نشأة الجنين وتطوره في داخل الرحم ينطبق على كل ما أعرفه كعالم من علماء الأجنة البارزين". (13)

وبعد أن اقتبسنا شيئاً يسيراً من إعجاز القرآن فى الهواء حيث: {يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}، وفى الأرض حيث: {غُلِبَتِ الرُّومُ.. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ}، وفى الزمان حيث: {سَيَغْلِبُونَ.. فِي بِضْعِ سِنِينَ}، وفى النفس البشرية حيث: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}.

بعد هذا الاقتباس ما كان لنا أن نترك قول الله فى التوراة: {إنَّ العلي ألْهَمَ الناس العِلم لكي يُمجَّد في عجائبه..} تتمة سفر أستير38/6...فسبحان الذى علم الإنسان ما لم يعلم، وعنده غيب السموات والأرض.

ومما سبق من دلائل على أن القرآن هو كلام الله المنزل على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- نذكر قوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.النحل89
حيث يخبرنا الله أن القرآن العظيم هو: منهاج كامل، فيه البيان الحق الشافي لأمور الدين والدنيا، فلا خير إلا دل عليه، ولا شر إلا حذر منه، وكل مسألة وكل مشكلة قديمة أو حاضرة أو مستقبلة فإن الحل الصحيح العادل لها في القرآن... فالعلم والعقيدة والسياسة ونظام الحكم والقضاء وعلم النفس والاجتماع والاقتصاد ونظام العقوبات وغير ذلك مما يحتاج إليه البشر، كل ذلك قد بينه الله في القرآن، وعلى لسان رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- أكمل بيان، كما أخبر الله بذلك في الآية المذكورة حيث أخبر أن: القرآن تبيانا لكل شيء. (14)

وهنا علينا أن نتعرف على ما يدعوا إليه القرآن؟ حيث إن القرآن الذى هو كلام الله وكتابه، قد دعا إلى اتباع دين الله فى أرضه وشريعته الخاتمة، التى أتم بها ما أرسله من قبل إلى خلقه عبر رسله وأنبيائه، فالقرآن يدعو إلى الدين الخاتم، دين الإسلام.

الهوامش:

1-لخضر شايب..جزائرى، أستاذ التعليم العالى بجامعة باتنة بالجزائر.2

2- نبوة محمد فى الفكر الإستشراقى المعاصر/د.لخضر شايب
3- الأدلة القاطعة / مجدى سيد عبد الباقى

4-صلاح الدين المغربى...عضو فى الجمعية الأمريكية لطب الفضاء، وأستاذ لطب الفضاء بمعهد طب الفضاء بلندن.
5- الموسوعة الذهبية فى إعجاز القرآن الكريم والسنة البوية /د.أحمد مصطفى متولى.ص.44،43

6- تفسير الطبرى
7- زغلول النجار...دكتوراه في علوم الأرض من جامعة ويلز ببريطانيا.

8- (مقالة د.زغلول النجار - http://www.55a.net/firas/arabic/)
9- حسنه الشيخ الألبانى- من السلسلة الضعيفة

10- الموسوعة الذهبية.ص442-443.

11- (Maurice Bucaille)...جراح فرنسى شغلته المقارنة بين الأديان عن مهنة الطب والجراحة.
12- ]التوراة والإنجيل والقرأن بمقياس العلم الحديث/موريس بوكاى. تر جمة على الجوهرى. ص248- 251[

13- http://www.55a.net/firas/arabic/ نقلاً عن (الذين هدى الله/الدكتور زغلول النجار).
14- دين الحق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق