الإرهاب والإسلام
إن مصطلح الإرهاب فرض نفسه على وسائل الإعلام وفى الأدبيات التى تعنى بالفكر الدينى أو السياسى أو القانونى أو الاجتماعى أو العسكرى، كما ظهرت وثائق ومواثيق تدور حول الموضوع، أو تعمل لاستكشاف الدلالة والفعل فيه.
الإرهاب: المصطلح والتعريف
إن مصطلح الإرهاب بدلالة سياسية لم يعرفه عالم المصطلحات العربية فى المعاجم القديمة، ولعله قد أخذ طريقه إلى الوجود -كما تؤكد المصادر– عند الفرنسيين من خلال ما جرى من وقائع عُنفية بعد الثورة الفرنسية، وحالات الكرَّ والفرَّ السلطوية التى أعقبتها فى أواخر القرن الثامن عشر للميلاد، فكانت مصطلحات Terrorism (إرهاب- حكم إرهابى)، و Terrorist (إرهابى)، وقد أُطلق المصطلح الأخير على كل متمرد على السلطة، والذى يقترن تمرده بأعمال شغب وعنف ينتج عنها أذىً للآخرين.
أما عند العرب، فإن الفعل (رهب) يعنى خاف، والرهبة: مخافةٌ مع تحرُزٍ واضطراب، هذا فى لسان العرب والمعاجم القديمة.
أما فى المعاجم المعاصرة فإن المصطلح يظهر متأثراً بالمعاجم اللاتينية: ففى "المنجد": أرهبه= خوَّفه، والإرهابى= من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، والحكم الإرهابى: حكم يقوم على الإرهاب والعنف. أما فى "الرائد" (لجبران مسعود): الإرهاب= رعبٌ تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب، والحكم الإرهابى نوع من الحكم الاستبدادى يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية أو الاستقلالية.
ولذلك نجد فى اللغة العربية أن الارهاب ليس منسجماً مع المصطلح المتداول حالياً، ولعل مصطلح العنف يعبِّر عن الأمر بشكل أدق، ففى "لسان العرب" (لابن منظور): العنف= الخرق بالأمر وقِلةُ الرِفقِ به، وهو ضد الرفق، واعتنف الأمرَ: أخذه بعنف. والتعنيف: التوبيخ والتقريع واللَّوم.(1)... وفى أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ". (2) ... أما فى النص القرآنى فقد ورد الفعلُ أو الاسم فى ثمانية مواقع هى:
1- {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}. [البقرة: 40 ]
أما عند العرب، فإن الفعل (رهب) يعنى خاف، والرهبة: مخافةٌ مع تحرُزٍ واضطراب، هذا فى لسان العرب والمعاجم القديمة.
أما فى المعاجم المعاصرة فإن المصطلح يظهر متأثراً بالمعاجم اللاتينية: ففى "المنجد": أرهبه= خوَّفه، والإرهابى= من يلجأ إلى الإرهاب لإقامة سلطته، والحكم الإرهابى: حكم يقوم على الإرهاب والعنف. أما فى "الرائد" (لجبران مسعود): الإرهاب= رعبٌ تحدثه أعمال عنف كالقتل وإلقاء المتفجرات أو التخريب، والحكم الإرهابى نوع من الحكم الاستبدادى يقوم على سياسة الشعب بالشدة والعنف بغية القضاء على النزعات والحركات التحررية أو الاستقلالية.
ولذلك نجد فى اللغة العربية أن الارهاب ليس منسجماً مع المصطلح المتداول حالياً، ولعل مصطلح العنف يعبِّر عن الأمر بشكل أدق، ففى "لسان العرب" (لابن منظور): العنف= الخرق بالأمر وقِلةُ الرِفقِ به، وهو ضد الرفق، واعتنف الأمرَ: أخذه بعنف. والتعنيف: التوبيخ والتقريع واللَّوم.(1)... وفى أقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَا لاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ". (2) ... أما فى النص القرآنى فقد ورد الفعلُ أو الاسم فى ثمانية مواقع هى:
1- {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}. [البقرة: 40 ]
2- {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}. [الأعراف: 116]
3- {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ}. [الأعراف: 154]
4- {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ...}. [الأنفال: 60]
5- {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}. [النحل: 51]
6- {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}. [الأنبياء: 90]
7- {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}. [القصص: 32]
8- {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}. [الحشر: 13]
بمراجعة مواقع المصطلح فى النص القرآنى نجد أن ما ورد فى الأرقام 6،5،3،1 .جاء بمعنى الخشية والخوف من الله. فهو متعلق بالرهبة من الله وليس من غيره.،
- وأما النص القرآنى فى الرقم 7 فجاء المصطلح متعلقاً بحال موسى وما هو عليه من الخوف عندما أظهر له الله الآيات التى يخاطب بها بنى اسرائيل ونجد هذا فى الآية التى سبقتها مباشرة: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ}. [القصص: 31 ]، وفى الكتاب المقدس أيضاً: {فقال اطرحها إلى الأرض فطرحها إلى الأرض فصارت حية فهرب موسى منها} [4 : 3 سفر الخروج]
4- {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ...}. [الأنفال: 60]
5- {وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ}. [النحل: 51]
6- {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ}. [الأنبياء: 90]
7- {وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ}. [القصص: 32]
8- {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ}. [الحشر: 13]
بمراجعة مواقع المصطلح فى النص القرآنى نجد أن ما ورد فى الأرقام 6،5،3،1 .جاء بمعنى الخشية والخوف من الله. فهو متعلق بالرهبة من الله وليس من غيره.،
- وأما النص القرآنى فى الرقم 7 فجاء المصطلح متعلقاً بحال موسى وما هو عليه من الخوف عندما أظهر له الله الآيات التى يخاطب بها بنى اسرائيل ونجد هذا فى الآية التى سبقتها مباشرة: {يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآَمِنِينَ}. [القصص: 31 ]، وفى الكتاب المقدس أيضاً: {فقال اطرحها إلى الأرض فطرحها إلى الأرض فصارت حية فهرب موسى منها} [4 : 3 سفر الخروج]
إذاً لم يتبقَ فى النصوص القرآنية التى ذُكر فيها مصطلح الرهبة سوى فى الأرقام 8،4،2 وهى التى نجد فيها ما يتعلق بموضوعنا.
- فى الرقم 2 كان المصطلح يخص إرعاب سحرة فرعون للشعب بما ساقوه من سحر عظيم عندما ألقوا عصيهم فصارت ثعابين وذلك فى قول الله: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}.، وجاء فى الكتاب المقدس: {طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين}.[7 : 12الخروج]
- فى الرقم 4 يكون معنى الآية: "وأعدوا -يا معشر المسلمين- لمواجهة أعدائكم ما استطعتم من قوة حربية شاملة لجميع عتاد القتال، من المرابطين فى الثغور وأطراف البلاد بخيلهم، لتخيفوا بهذا الإعداد والرباط عدو اللَّه وعدوكم من الكفار المتربصين بكم الدوائر، وتخيفوا آخرين لا تعلمونهم الآن واللَّه يعلمهم. لأنه لا يخفى عليه شئ". (3) ... ويشرح المعنى الآية التالية لها: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. [ الأنفال: 61] ... والتى ورد فى تفسيرها: "وإن مال الأعداء عن جانب الحرب إلى جانب السلم ، فاجنح لها -أيها الرسول- فليست الحرب غرضاً مقصودا لذاته عندك إنما أنت قاصد بها الدفاع لعدوانهم، وتحديهم لدعوتك. فاقبل السلم منهم، وتوكل على اللَّه، ولا تخف كيدهم ومكرهم إنه سبحانه هو السميع لما يتشاورون به، العليم بما يدبرون ". (3)
- فى الرقم 8 يكون معنى الآية: "لأنتم -أيها المسلمون- أشد مهابة فى صدور المنافقين واليهود من الله؛ ذلك لأنهم قوم لا يعلمون حقيقة الإيمان".(4) حيث أن الخطاب فى الآية كان للمسلمين زمن النبوة، عندما كانوا فى مواجهات مع يهود المدينة.
ففى هذا النص القرآنى تأكيد على أن الإرهاب معناه فى القرآن: إلقاء الخوف فى قلوب الأعداء، وهذا الخوف يدفعهم إلى التسليم، فعندما لا تكون حالات قتل، ولا تكون أية آثار سلبية، فإن الإعداد والتجهيز بمفرده كاف لإلقاء هذا الرعب فى قلوبهم، وفى هذا جاء حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ".(5)، وفى كثير من مواجهات جيش الإسلام فى زمن النبوة والخلافة الإسلامية كان تحقيق هذا المعنى، ففى فتح مكة ظهر هذا المعنى، عندما دخل النبى محمد وجيشه وهم فى كامل عُدَّتهم وعَدَدِهم، فتصف (كارين أرمسترونج) (6) هذا المشهد بقولها: "وفى مكة، خشى كبارها من غزوة استئصال لهم عندما علموا باقتراب جيش المسلمين... وذهل (أبو سفيان) من مرأى أعداد المسلمين فى صلاة الفجر، ثم تحركهم بعد ذلك صوب مكة، فأسرع (أبو سفيان) عائداً إلى مكة، وهناك جمع الناس قائلاً فيهم: "يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به." ، فكان فتح مكة فتحاً سهلاً يسيراً دون قتال عدا مناوشة صغيرة سرعان ما انتهت، وصفتها (كارين أرمسترونج) قائلة: "أرادت قلة من قريش القتال، فجمع (عكرمة وصفوان وسهيل) قوة صغيرة حاولت الهجوم على جناح (خالد بن الوليد) من الجيش الفاتح، ولكن سرعان ما انهزموا، وفر كل من صفوان وعكرمة خوفاً على حياتهما، أما سهيل، فقد ألقى سلاحه ودخل بيته، ودخل بقية الجيش الإسلامى مكة دون مقاومة".(7)
وكان فتح المسلمين للقدس مثالاً آخر على هذه الرهبة التى كانت فى قلوب خصومهم، فيقول القس الانجليزى (كولن تشابمان): "حين حاصرت جيوش المسلمين القدس سنة 638 م، أدرك (سفرونيوس) بطريرك القدس أنه سيضطر إلى التسليم، لكنَّه أصرَّ على أن يتم التسليم لأكبر شخصية فى الدولة الإسلامية وحين اقترب عمر كان يرتدى ثياباً مصنوعة من وبر الجمال، وكانت كلها متسخة وممزقة".(8)
ويصف الداعية الإسلامى (د.طارق سويدان) هذا اللقاء بقوله: "ولما رأى البطريرك هذا المنظر هاله وأرعبه، وعظم شأن الإسلام فى نظره، وقال لقومه إن أحداً فى الدنيا لا يستطيع الوقوف فى وجه هؤلاء القوم، فسلِّموا لهم تنجوا".(9)
ويؤكد هذا المعنى قول القس (كولن تشابمان): "وفى القدس، وُلدت المسيحية ثانية بدخول (عمر بن الخطاب) والإسلام، الذى أظهر رسالته وتسامحه حين تقابل مع (سفرونيوس) بمحبة، وقبول، واحترام، وعهد؛ عهد الله وعهد الإنسان لأخيه الإنسان".(10)
وحتى إن وقع قتال فى معارك أخرى للمسلمين على مر التاريخ فهى ليست تحت مسمى الإرهاب بأى حالٍ من الأحوال، وهذا ما يؤكده (سيدربرج) قائلاً: "إن القتال الذى يدور بين وحدتين مسلحتين متنافستين فى صراع قوة سياسى لا يعد إرهاباً، حتى ولو كان أحد الجانبين من رجال حروب العصابات أو أخذ خصمه على حين غرة، وأى حرب مهما كانت غير عادية ستبقى مجرد قتال ما دامت كلُّ الأطراف فيها مستهدفة ً بوسائل مميزة".(11)
وإذا كنا قد تعرفنا على مصطلح الإرهاب الوارد فى القرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفتوحات المسلمين فى عهد النبى وبعد وفاته، وفى المعاجم العربية القديمة، فهل نجد هذا المعنى يتطابق مع معنى الإرهاب الحالى (والذى جاء تعريفه -فى بيان مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر الشريف 2001 م- كالتالى: "الإرهاب: هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم، وكرامتهم الإنسانية، بغياً وإفساداً فى الأرض"؟... وهل فى القرآن أو السنة أو معارك وفتوحات المسلمين فى الماضى البعيد والقريب ما يتناسب مع هذا المعنى لمصطلح الإرهاب؟!
وأما عن الجماعات الإسلامية التى ظهرت فى الآونة الأخيرة بمسميات شتى، والتى كانت من أسباب اتهام الإسلام بالإرهاب، فالمستشرق البريطانى البروفيسور (فريد هاليداى) –الأستاذ بجامعة لندن– يناقش هذا الموضوع قائلاً: "إن هذه الجماعات ليست المعبرة عن روح الإسلام، وهى لا تقدم المبادىء الإسلامية، ولكنها تقدم ما يبرر ممارساتها العدوانية، وهذه الجماعات لا تمثل ظاهرة إسلامية بل تمثل قوى نشأت فى مجتمعات معينة كرد فعل للمشكلات التى تعانى منها هذه المجتمعات، وهى مشكلات اجتماعية وسياسية،كما أنها رد فعل لما تشعر به هذه المجتمعات من مخاطر الهيمنة الخارجية، وما تتعرض له من رياح التغيير الاجتماعى والثقافى وخاصة بالنسبة لتغيير الوضع التقليدى للمرأة السائد فى مجتمعات بدوية، ولذلك فإن الغرب يخطىء حين يستسلم لادعاء هذه الجماعات بأنها إسلامية، بدلاً من دراسة الظروف التى أدت إلى نشأة هذه الجماعات وهى ظروف خاصة بكل مجتمع من المجتمعات الإسلامية."(12)
شبهة: الإسلام يدعو أتباعه لممارسة الإرهاب
- فى الرقم 2 كان المصطلح يخص إرعاب سحرة فرعون للشعب بما ساقوه من سحر عظيم عندما ألقوا عصيهم فصارت ثعابين وذلك فى قول الله: {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}.، وجاء فى الكتاب المقدس: {طرحوا كل واحد عصاه فصارت العصي ثعابين}.[7 : 12الخروج]
- فى الرقم 4 يكون معنى الآية: "وأعدوا -يا معشر المسلمين- لمواجهة أعدائكم ما استطعتم من قوة حربية شاملة لجميع عتاد القتال، من المرابطين فى الثغور وأطراف البلاد بخيلهم، لتخيفوا بهذا الإعداد والرباط عدو اللَّه وعدوكم من الكفار المتربصين بكم الدوائر، وتخيفوا آخرين لا تعلمونهم الآن واللَّه يعلمهم. لأنه لا يخفى عليه شئ". (3) ... ويشرح المعنى الآية التالية لها: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}. [ الأنفال: 61] ... والتى ورد فى تفسيرها: "وإن مال الأعداء عن جانب الحرب إلى جانب السلم ، فاجنح لها -أيها الرسول- فليست الحرب غرضاً مقصودا لذاته عندك إنما أنت قاصد بها الدفاع لعدوانهم، وتحديهم لدعوتك. فاقبل السلم منهم، وتوكل على اللَّه، ولا تخف كيدهم ومكرهم إنه سبحانه هو السميع لما يتشاورون به، العليم بما يدبرون ". (3)
- فى الرقم 8 يكون معنى الآية: "لأنتم -أيها المسلمون- أشد مهابة فى صدور المنافقين واليهود من الله؛ ذلك لأنهم قوم لا يعلمون حقيقة الإيمان".(4) حيث أن الخطاب فى الآية كان للمسلمين زمن النبوة، عندما كانوا فى مواجهات مع يهود المدينة.
ففى هذا النص القرآنى تأكيد على أن الإرهاب معناه فى القرآن: إلقاء الخوف فى قلوب الأعداء، وهذا الخوف يدفعهم إلى التسليم، فعندما لا تكون حالات قتل، ولا تكون أية آثار سلبية، فإن الإعداد والتجهيز بمفرده كاف لإلقاء هذا الرعب فى قلوبهم، وفى هذا جاء حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِىَ النَّبِيُّونَ".(5)، وفى كثير من مواجهات جيش الإسلام فى زمن النبوة والخلافة الإسلامية كان تحقيق هذا المعنى، ففى فتح مكة ظهر هذا المعنى، عندما دخل النبى محمد وجيشه وهم فى كامل عُدَّتهم وعَدَدِهم، فتصف (كارين أرمسترونج) (6) هذا المشهد بقولها: "وفى مكة، خشى كبارها من غزوة استئصال لهم عندما علموا باقتراب جيش المسلمين... وذهل (أبو سفيان) من مرأى أعداد المسلمين فى صلاة الفجر، ثم تحركهم بعد ذلك صوب مكة، فأسرع (أبو سفيان) عائداً إلى مكة، وهناك جمع الناس قائلاً فيهم: "يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به." ، فكان فتح مكة فتحاً سهلاً يسيراً دون قتال عدا مناوشة صغيرة سرعان ما انتهت، وصفتها (كارين أرمسترونج) قائلة: "أرادت قلة من قريش القتال، فجمع (عكرمة وصفوان وسهيل) قوة صغيرة حاولت الهجوم على جناح (خالد بن الوليد) من الجيش الفاتح، ولكن سرعان ما انهزموا، وفر كل من صفوان وعكرمة خوفاً على حياتهما، أما سهيل، فقد ألقى سلاحه ودخل بيته، ودخل بقية الجيش الإسلامى مكة دون مقاومة".(7)
وكان فتح المسلمين للقدس مثالاً آخر على هذه الرهبة التى كانت فى قلوب خصومهم، فيقول القس الانجليزى (كولن تشابمان): "حين حاصرت جيوش المسلمين القدس سنة 638 م، أدرك (سفرونيوس) بطريرك القدس أنه سيضطر إلى التسليم، لكنَّه أصرَّ على أن يتم التسليم لأكبر شخصية فى الدولة الإسلامية وحين اقترب عمر كان يرتدى ثياباً مصنوعة من وبر الجمال، وكانت كلها متسخة وممزقة".(8)
ويصف الداعية الإسلامى (د.طارق سويدان) هذا اللقاء بقوله: "ولما رأى البطريرك هذا المنظر هاله وأرعبه، وعظم شأن الإسلام فى نظره، وقال لقومه إن أحداً فى الدنيا لا يستطيع الوقوف فى وجه هؤلاء القوم، فسلِّموا لهم تنجوا".(9)
ويؤكد هذا المعنى قول القس (كولن تشابمان): "وفى القدس، وُلدت المسيحية ثانية بدخول (عمر بن الخطاب) والإسلام، الذى أظهر رسالته وتسامحه حين تقابل مع (سفرونيوس) بمحبة، وقبول، واحترام، وعهد؛ عهد الله وعهد الإنسان لأخيه الإنسان".(10)
وحتى إن وقع قتال فى معارك أخرى للمسلمين على مر التاريخ فهى ليست تحت مسمى الإرهاب بأى حالٍ من الأحوال، وهذا ما يؤكده (سيدربرج) قائلاً: "إن القتال الذى يدور بين وحدتين مسلحتين متنافستين فى صراع قوة سياسى لا يعد إرهاباً، حتى ولو كان أحد الجانبين من رجال حروب العصابات أو أخذ خصمه على حين غرة، وأى حرب مهما كانت غير عادية ستبقى مجرد قتال ما دامت كلُّ الأطراف فيها مستهدفة ً بوسائل مميزة".(11)
وإذا كنا قد تعرفنا على مصطلح الإرهاب الوارد فى القرآن وأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وفتوحات المسلمين فى عهد النبى وبعد وفاته، وفى المعاجم العربية القديمة، فهل نجد هذا المعنى يتطابق مع معنى الإرهاب الحالى (والذى جاء تعريفه -فى بيان مجمع البحوث الإسلامية فى الأزهر الشريف 2001 م- كالتالى: "الإرهاب: هو ترويع الآمنين، وتدمير مصالحهم ومقومات حياتهم، والاعتداء على أموالهم وأعراضهم وحرياتهم، وكرامتهم الإنسانية، بغياً وإفساداً فى الأرض"؟... وهل فى القرآن أو السنة أو معارك وفتوحات المسلمين فى الماضى البعيد والقريب ما يتناسب مع هذا المعنى لمصطلح الإرهاب؟!
وأما عن الجماعات الإسلامية التى ظهرت فى الآونة الأخيرة بمسميات شتى، والتى كانت من أسباب اتهام الإسلام بالإرهاب، فالمستشرق البريطانى البروفيسور (فريد هاليداى) –الأستاذ بجامعة لندن– يناقش هذا الموضوع قائلاً: "إن هذه الجماعات ليست المعبرة عن روح الإسلام، وهى لا تقدم المبادىء الإسلامية، ولكنها تقدم ما يبرر ممارساتها العدوانية، وهذه الجماعات لا تمثل ظاهرة إسلامية بل تمثل قوى نشأت فى مجتمعات معينة كرد فعل للمشكلات التى تعانى منها هذه المجتمعات، وهى مشكلات اجتماعية وسياسية،كما أنها رد فعل لما تشعر به هذه المجتمعات من مخاطر الهيمنة الخارجية، وما تتعرض له من رياح التغيير الاجتماعى والثقافى وخاصة بالنسبة لتغيير الوضع التقليدى للمرأة السائد فى مجتمعات بدوية، ولذلك فإن الغرب يخطىء حين يستسلم لادعاء هذه الجماعات بأنها إسلامية، بدلاً من دراسة الظروف التى أدت إلى نشأة هذه الجماعات وهى ظروف خاصة بكل مجتمع من المجتمعات الإسلامية."(12)
شبهة: الإسلام يدعو أتباعه لممارسة الإرهاب
بعد هذا العرض لمفهوم الإرهاب فى الإسلام وتوضيح معنى الرهبة فى القرآن وفى أحاديث النبى محمد... يبقى سؤال: لماذا يُثار أن الإسلام يتضمن دعوة المؤمنين به لممارسة الإرهاب؟!
والجواب يبسطه لنا (هاليداى) فى قوله: "إن الخرافة الشائعة فى الغرب بأن الإسلام يتضمن دعوة المؤمنين به لممارسة الإرهاب، فإنه من المعلوم للدارسين للإسلام أنه لا توجد علاقة بين الدين الإسلامى والإرهاب، وعندما ظهر الإرهاب بمعناه المعاصر فى القرن التاسع عشر لم يكن المسلمون هم الذين روجوا له، وفيما بعد نشأ الإرهاب فى أيرلندا الشمالية، وسريلانكا، وغيرها من المجتمعات التى لا تدين بالإسلام، وإذا كان المقصود بالإرهاب هو النزعة للتعصب، وقمع المجموعات العرقية والدينية الأخرى، فسوف نجد فى تاريخ المجتمعات الإسلامية جرائم من هذا النوع، إلا أن المجتمعات الإسلامية ليست الوحيدة التى ظهرت فيها هذه الجرائم، فالمجتمعات الإسلامية لم تمارس التعذيب والإبادة العرقية لليهود، ولكن حدث ذلك فى الغرب فقط وفى ألمانيا النازية بالذات، كما حدث نفى اليهود الشرقيين من أسبانيا، واليوم نجد أن الشعوب الإسلامية التى تناضل من أجل تحرير أرضها ومن أجل الاستقلال هى المسئولة عن الإرهاب!!، فهناك فرق بين الإرهابيين والمقاتلين من أجل الحرية".(13)
الفهارس
1- لسان العرب/ ابن منظور ( كلمة: عنف)
2- صحيح مسلم
3- تفسير المنتخب
4- تفسير المنتخب / الأزهر
5- المرجع السابق.
6- صحيح مسلم.
7-...راهبة كاثوليكية إنجليزية،عنيت بدراسة الإسلام والدفاع عنه وعن رسوله، من مؤلفاتها(حياة محمد،محمد نبى لزماننا،الأصولية فى اليهودية والمسيحية والإسلام). 5- محمد نبى لزماننا / كارلين أرمسترونج ص 179
8- القدس لمن؟ القدس والصراع العربى الإسرائيلى/ القس:كولن تشابمان ص62
9- فلسطين التاريخ المصور/ د.طارق السويدان (طبعة الإبداع الفكرى – الكويت ص 84)
10- القدس لمن؟ القدس والصراع العربى.ص 73.
11- لا للإرهاب.نعم للجهاد/ د. أسعد السحمرانى ( طبعة دار النفائس- بيروت ص 16) نقلاً عن (سيدربرج ، بيتر.سي: م.س،ص56،57).
12- المنصفون للإسلام فى الغرب ص 41،42 – نقلاًعن (الإسلام والغرب/فريد هاليداى).
13- المنصفون للاسلام فى الغرب ص 38.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق