الجهاد فى الإسلام
الجهاد فى اصطلاح العربية – كما جاء فى" لسان العرب" لابن منظور- هو: "استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أَو فعل".(1)... فهو لا يقف عند "الفعل" فضلاً عن أن يكون هذا "الفعل" فقط هو "الفعل العنيف" –الحرب– دون سواه.
والجهاد فى الاصطلاح القرآنى "هو بذل الوسع فى المدافعة والمغالبة" فى كل ميادين المدافعة والمغالبة .. أى فى كل ميادين الحياة.. وليس فقط فى ميادين القتال... "وأكثر ما ورد الجهاد فى القرآن الكريم ورد مراداً به بذل الوسع فى نشر الدعوة الإسلامية والدفاع عنها".(2) .. وسبيل الدعوة الإسلامية هو الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتى هى أحسن.. وليس بالقتال والإكراه والحرب الدينية المقدسة.. فميادين الجهاد الإسلامى الأكبر والأعظم والأغلب هى عوالم الأفكار والحوار... وكذلك جاء تعريف الجهاد "بالدعاء إلى الدين الحق" فى الكثير من موسوعات المصطلحات فى تراث حضارة الإسلام.(3)
فبذل الوسع واستفراغ الطاقة والجهد فى ميادين العلم والتعلّم والتعليم هو جهاد... وبذل الوسع واستفراغ الطاقة والجهد فى عمران الأرض-نهوضاً بأمانة الاستخلاف الإلهى للإنسان- هو الجهاد.. بل إن الرفق بالإنسان والحيوان والنبات والجماد –الطبيعة- هو جهاد.. وكذلك البر والإحسان إلى الوالدين والأقربين وأولى الأرحام هو جهاد.. كما أن الخشية لله ومراقبته وتقواه والتبتل إليه -سبحانه وتعالى- هى قمة من قمم الجهاد الذى فرضه الإسلام... ولهذه الحقيقة -حقيقة عموم الجهاد فى كل ميادين الحياة، وليس اختزاله فقط فى القتال- قَسَّمَ الراغب الأصفهانى(502هـ 1108م) "الجهاد" إلى ثلاثة أضرُب:
1- مجاهدة العدو الظاهر.. 2- ومجاهدة الشيطان.. 3- ومجاهدة النفس..
وتدخل ثلاثتها فى قوله –تعالى-: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ}. [الحج: 78 ]، وقوله: {وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. [التوبة: 41]، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}. [الأنفال: 72].
وإن كان القرآن ذكر الجهاد، فإن الموضع الوحيد الذى وصف فيه "الجهاد" بـ: (الكبير) -فى القرآن الكريم -كان حديثاً عن الجهاد بالقرآن -أى بالفهم والوعى والحوار بالحكمة والموعظة الحسنة- وليس حديثًاعن القتال باللسان:{فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}. [الفرقان: 52]
بل لقد جعلت السنة النبوية -وهى البيان النبوى للبلاغ القرآنى- من أفعال القلوب -وليس فقط الأيدى والألسنة- ميداناً من ميادين الجهاد الإسلامى... فعن عبد الله بن مسعود -رضى الله عنه- أن رسول الله قال: "ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى، إلا من أمتّه حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".(4)
كذلك جعلت السنة النبوية العلم والتعلم قريناً مساوياً للجهاد فى سبيل الله فعن أبى هريرة -رضى الله عنه- أن رسول الله r قال: "من دخل مسجدنا هذا ليتعلم خيراً أو يعلمه كان كالمجاهد فى سبيل الله".(5) .. وفى الحديث كذلك أن "الساعى على الأرملة والمسكين كالمجاهد فى سبيل الله ".(6)، وكذلك بر الوالدين، هو ميدان من ميادين الجهاد الإسلامى، فعندما جاء رجل إلى النبى يستأذنه فى الجهاد، فقال له رسول الله r: "أحىٌّ والداك"؟... قال: نعم.... قال رسول الله:"ففيهما فجاهد".(7)
وكذلك الحال مع حراسة النفس من الشيطان، يعدها الإسلام ميداناً من ميادين الجهاد... فقال رسول الله r: "فالمجاهد من جاهد نفسه فى الله -عزوجل-".(8) ... وجعلت السنة النبوية الحج إلى بيت الله الحرام ميداناً من ميادين الجهاد الإسلامى -وفيه التجرد من الدنيا وقوتّها، بل وزينتها، والتعايش السلمى حتى مع الهوام وكل أنواع الحيوانات والنباتات-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحج جهاد والعمرة تطوّع".(9)
تلك هى حقيقة الجهاد الإسلامى، الذى هو بذل الجهد واستفراغ الوسع والطاقة، فى أى ميدان من ميادين الحياة، على امتداد هذه الميادين واتساعها وتنوعها، إن الجهاد الإسلامى ليس حرباً دينية مقدسة، لأن الإسلام ينكر ويستنكر أى حرب دينية، فالإيمان الإسلامى: تصديق قلبى يبلغ مرتية اليقين... وهو سر بين المؤمن وبين خالقه، لا يتأتى إلا بالفهم والعلم والإقناع والاقتناع، ولا يمكن أن يكون ثمرة لأى لون من ألوان الإكراه -فضلاً عن أن يكون هذا الإكراه عنفاً قتالياً- ولذلك فقد قرر القرآن الكريم القاعدة المحكمة والحاكمة :
{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} .[البقرة: 256].، والتى لا تعنى فقط "النهى" عن الإكراه فى الدين، وإنما تعنى -أيضًا- "نفى" أن يكون
هناك دين أو تدين عن طريق الإكراه!... إذ الإكراه يثمر "نفاقاً" -وهو أخطر من "الشرك" الصراع و"الكفر" البواح-... ولا يمكن أن يثمر "إيماناً" بحال من الأحوال.. ولذلك شاعت فى القرآن الكريم الآيات التى تقول للمخالفين:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. [الكافرون: 6].، {فَمَنْ شَاءَفَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}. [الكهف: 29 ] ، والتى تحدد مهمة الرسالة فى الاعتقاد: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}. [المائدة: 99] ، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ.. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ}. [الغاشية: 21- 22 ] ، {نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ}. [ق: 45] ، {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ}. [الأنعام: 107]
وإذا كان الخلط بين الجهاد الإسلامى وبين الحرب الدينية المقدسة هو أثراً من أثار سوء الفهم للإسلام، أوسوء النية فى تصويرالإسلام... فإن هناك خطأ آخر يقع فيه الذين يختزلون الجهاد الإسلامى فى القتال الذى تحدث عنه القرآن الكريم، ومارسه المسلمون فى عصر النبوة ، وعلى امتداد تاريخ الإسلام.(10) ... وذلك أن الجهاد الإسلامى-الذى هو فريضة إسلامية- أعم من القتال-الذى شرعه الإسلام- فكل قتال جهاد وليس كل جهاد قتالاً ... إذ القتال هو الجانب العنيف من الجهاد، وليس كل الجهاد!
ولقد أدرك حقيقة مغايرة الجهاد الإسلامى للحرب الدينية المقدسة نفر من علماء الغرب، الذين تحلوا بالموضوعية والعمق والإخلاص فى دراساتهم للإسلام.. ومن هؤلاء العلماء كانت المستشرقة الألمانية الدكتورة (زيجريد هونكه) التى كتبت عنه فقالت: "إن الجهاد الإسلامى ليس هو ما نطلق عليه –ببساطة- مصطلح الحرب المقدسة ، فالجهاد " هوكل سعى مبذول، وكل اجتهاد مقبول، وكل تثبيت للإسلام فى أنفسنا، حتى نتمكن فى هذه الحياة الدنيا من خوض الصراع اليومى المتجدد أبداً ضد القوى الأمارة بالسوء فى أنفسنا وفى البيئة المحيطة بنا عالميّا، فالجهاد هو المنبع الذى لاينقص، والذى ينهل منه المسلم مستمداً الطاقة التى تؤهله لتحمُل مسئوليته، خاضعًا لإرادة الله عن وعى ويقين، إن الجهاد بمثابة التأهب اليقظ الدائم للأمة الإسلامية، من نظام اجتماعى إسلامى فى ديار الإسلام".(11)
وتلك هى حقيقة الجهاد الذى فرضه الله-سبحانه وتعالى- وجعله ذروة سنام الإسلام... والذى يكون جهاداً كبيراً عندما يكون فقهاً ووعياً وحواراً بالحكمة والموعظة الحسنة، انطلاقاً من القرآن الكريم: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا}. [الفرقان: 52]
الفهارس
1- لسان العرب / ابن منظور (كلمة :جهد)
2- هذا هو الإسلام ج2 ص 51/ د.محمد عمارة( طبعة مكتبة الشروق) – نقلاً عن (معجم ألفاظ القرآن الكريم/ مجمع اللغة العربية)
3- هذا هو الإسلام ج2- نقلاً عن ( التعريفات /الجرجانى)
4- رواه مسلم
5- متفق عليه.
6- متفق عليه
7- متفق عليه
8- رواه الترمذى والإمام أحمد.
9- رواه ابن ماجه.
10- هذا هو الإسلام ج2 ص 51
11- المرجع السابق.ص56.
2- هذا هو الإسلام ج2 ص 51/ د.محمد عمارة( طبعة مكتبة الشروق) – نقلاً عن (معجم ألفاظ القرآن الكريم/ مجمع اللغة العربية)
3- هذا هو الإسلام ج2- نقلاً عن ( التعريفات /الجرجانى)
4- رواه مسلم
5- متفق عليه.
6- متفق عليه
7- متفق عليه
8- رواه الترمذى والإمام أحمد.
9- رواه ابن ماجه.
10- هذا هو الإسلام ج2 ص 51
11- المرجع السابق.ص56.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق